تنبأ سقراط نبوءة في القرن الخامس قبل الميلاد.
قال الفيلسوف العظيم إن الناس إذا تعودوا على كتابة أفكارهم وقراءة أفكار غيرهم سيقل اعتمادهم على ذاكرتهم¡ وستضعف. الآن فإن ما كان في الذاكرة سيخزَّن الآن على ألواح ولفائف وصفحات كتب.
أصاب في نبوءته! لكن لم ينته الأمر هنا¡ فانتشار الكتب له تأثير آخر لو عرف عنه لرحب به¡ وهو أن الكتب وفّرت حجماً أعظم من الحقائق والمعلومات والأفكار والقصص أكثر من قبل بكثير كما يقول الكاتب العلمي نيكولاس كار¡ ونظام القراءة العميقة وثقافتها شجعت إيداع المعلومات المطبوعة في الذاكرة¡ عكس ما تفعله الإنترنت من تشتيت للعقل وحثه أن لا يحفظ شيئاً¡ بل أن يترك كل شيء لغوغل وغيرها.
تجارب علمية أجراها هيرمان إيبنغهاوس أظهرت أنه بعد ساعة تتبخر الأشياء التي حفظها الشخص¡ ودراسات على الملاكمين أظهرت أن ضربة للرأس يمكن أن تسبب نوعاً من فقدان الذاكرة يمسح كل الذاكرة التي سجلها المخ في آخر دقائق وربما آخر ساعات قبل الضربة¡ لكن يترك الذكريات القديمة. نفس الشيء يحصل للمصابين بالصرع إذا أصابتهم نوبة. إن هذه الاكتشافات أظهرت أن الذاكرة تظل مضطربة عندما تسجّل في المخ لفترة قصيرة بعد تشكيلها¡ تحتاج وقتاً لترسخ¡ والوقت هو ساعة على الأقل.
لدينا نوعان من الذاكرة¡ قصيرة المدى وطويلة المدى¡ نحتفظ بالانطباعات والمشاعر والأفكار المباشرة في الذاكرة القصيرة المدى¡ وهي لن تستمر إلا ثوانٍ¡ لكن كل الأشياء التي تعلمناها عن العالم سواء بشكل واعٍ أو غير واعٍ تخزن في الطويلة. الذاكرة القصيرة مضطربة ولا تتحوَّل لطويلة فوراً¡ وأي نوع من التعطيل لها -سواء ضربة للرأس أو تشويش بسيط كتشويش الإنترنت وتشتيتها- يمكن أن يمحوها. التكرار يشجع استحكام المعلومات¡ وكثرة القراءة ترسخ المعلومات في الذاكرة. عدد الوصلات العصبية في المخ يزيد مع التعلم. ليست هذه عمليات دماغية فحسب بل حتى جسدية¡ لذلك تعلُّم شيء مرة أخرى (أي يُتعلَّم وينسى ويتعلم أخرى) يكون أسهل في المرة الثانية¡ وهذا ما يجعل كثرة القراءة تُرسّخ المعلومات في عقلك وتقويه¡ وإذا كنتَ ممن يقرأ بشغف ستلاحظ فوراً الفرق بين عقلك وعقل من لا يقرأ¡ ممن أهمل عقله فلا يفكر ولا يحسب ولا يحفظ¡ يجعل عقله معطلاً والإنترنت تفعل له كل شيء.
لمثل هؤلاء¡ قل لهم: اترك الانترنت قليلاً¡ واقرأ كتاباً¡ فهو صديقك الحقيقي.




http://www.alriyadh.com/1806669]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]