مايو 1940م¡ إنه شهر عصيب. الحرب العالمية الثانية بدأت السنة الماضية¡ وأخذ هتلر يزحف على جيوش أوروبا ويبتلعها بمزيج مدهش من العبقرية التخطيطية والكفاءة العسكرية والتقنية المتطورة¡ وارتجت الأرض بوقع خطى العملاق الألماني الذي لا يصمد أمامه شيء¡ وقبل أن يدخل هتلر باريس فاتحاً كانت جيوشه تكسر كل تحالف أوروبي حتى وصل جنده إلى مدينة دونكيرك الساحلية الفرنسية والتي فرّ إليها جنود بريطانيا وفرنسا في محاولة يائسة للنجاة¡ فأما فرنسا فكانت شبه منهارة لكن بريطانيا أفضل وضعاً¡ ونادت البحرية البريطانية كل إنسان قادر أن يأتي بكل مركبة يمكنها أن تنقل الجند بعيداً عن دونكيرك والتي يقترب منها الألمان ويوشكون أن يحيلوها حطاماً محترقاً¡ فأتت يختات وزوارق بخارية وقاطرات بل حتى قوارب صيد صغيرة! هكذا كان الوضع المخيف¡ ولأسباب لا تزال غير معروفة أحجم هتلر عن الهجوم الشامل على دونكيرك¡ وما هي إلا غارات وهجمات متفرقة أمر بها ضدهم¡ وإلا لأسر أو قتل جيشاً قوامه مئات الآلاف¡ لكن نجح البريطانيون في إخلاء 300 ألف شخص¡ وحتى تشيرشل نفسه دُهش وسماها معجزة.
من الذين تولوا مهمات الإنقاذ رجل عمره 66 سنة¡ اسمه تشارلز لايتولر¡ عزم على نقل أكبر قدر ممكن¡ فحشر 120 شخصاً في قاربه الناري الصغير¡ حمولة تفوق استيعاب المركبة¡ ومضى بالقارب يشق المياه الخطرة متفادياً الرصاص والقنابل. لماذا حمل هذا العدد الكبير من الناس بهذا الإصرار¿ عُد 30 سنة قبل ذلك¡ إلى ليلة مخيفة أليمة مرّ بها تشارلز¡ في جوف الليل¡ ليلة لا تنسى رأت قوارب إنقاذ تنطلق وليس عليها إلا نصف حمولتها¡ صيحات الاستغاثة من الساقطين في البحر¡ إحباط وقنوط بسبب عجزه عن إنقاذ الموقف¡ نداءات الاستغاثة تختفي شيئاً فشيئاً بسبب غرق أصحابها.
ما تلك الليلة البشعة¿ إنها ليلة غرق سفينة تايتانيك. تشارلز كان نائباً لقبطان السفينة الشهيرة¡ وكان ممن نجا¡ وقد هلك 900 إنسان في تحطمها¡ وظل تشارلز يأسى أنه لم يكن بوسعه إنقاذ الكثير¡ حتى أتته تلك الفرصة في دونكيرك¡ وعزم على محو تلك الذكرى الأليمة بعمل بطولي.




http://www.alriyadh.com/1771990]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]