ماليزيا .. بيت السياحة الحلال والسياح المسلمين

لا شك أن ماليزيا تمثل الوجهة السياحية المفضلة لما يمكن وصفه بـ "السياحة الحلال". ومن خلال هذا التوصيف¡ يمكن أن نعرف طبيعة هذا النوع من السياحة¡ التي تستند إلى المعايير المحافظة في الحراك السياحي¡ والتي لا دخل لقطاعات واسعة من السياحة العامة بها¡ ولا سيما تلك التي تختص بالبرامج السياحية المتحرّرة من أي قيود¡ كالمنتجعات المفتوحة لكل شيء¡ وأماكن السهر الراقصة¡ والحانات¡ والكازينوهات¡ وشواطئ العراة¡ ومناطق ممارسة الدعارة وغيرها. هناك في هذا العالم مَن يفضل هذا النوع من السياحة¡ بل يبحث عنها¡ إلى درجة أن قطاعاً منها بات يطلق عليه اسم "السياحة الجنسية". ولا شك في أن السياحة المنفلتة تحقق مداخيل عالية¡ بدليل توسع نطاقها¡ وابتكار وسائل جذب جديدة في نطاقها.

وطوال العقود الماضية¡ حاول الباحثون عن هذه السياحة والمروّجون لها¡ أن يكرّسوا "حقيقة" أن سياحة محافظة لا مردود لها¡ وأن المنتجع أو الفندق (على سبيل المثال) الذي يمنع تقديم الخمور¡ لا يشهد إقبالاً عليه¡ وأنه غالباً ما يتعرّض لمشكلات مالية¡ وأن السياحة بالمجمل¡ ينبغي أن تكون بعيدة عن أي شيء يقيدها.
غير أن الأمر ليس كذلك تماماً. السياح الباحثون عن قضاء إجازة والترفيه¡ ينقسمون إلى شرائح متعدّدة. فحتى أولئك الذين لا يهتمون بالجانب المحافظ للسياحة ليسوا بالضرورة يمارسون نقيضها. فهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى شرائح. بعضهم يبحث عن التاريخ والآثار والثقافة¡ والبعض الآخر عن مناطق هادئة بعيدة عن الضوضاء¡ كالريف والمناطق الجبلية¡ وغيرهم يبحثون عن الطبيعة المجردة¡ وهناك مَن يبحث عن المغامرات في الأدغال¡ ومتابعة حياة الحيوانات المفترسة¡ والصيد وغير ذلك.
ليس كل سائح يبحث عن شكل من أشكال السياحة غير المحافظة. ولذلك ليس غريباً أن يصل حجم الاستثمارات في "السياحة الحلال" إلى أكثر من 140 مليار دولار. ومن المتوقع أن يصل إلى 200 مليار دولار في غضون السنوات المتبقية من العقد الجاري. وحسب التقديرات المتداولة¡ فإن سوق السفريات المخصّصة للمسلمين تشكل ما قيمته 13 في المائة من إجمالي سوق السفر¡ وهي نسبة كبيرة بالفعل¡ فيما لو أخذنا في الحسبان التأخر في تطوير "السياحة الحلال"¡ بل التقاعس في بلدان تملك مقومات حقيقية في هذا المجال. فأغلبية المسؤولين في هذه البلدان قرروا اعتماد أسهل الطرق¡ والاقتناع مباشرة بما يروّج عن أن السياحة ينبغي ألا تكون حلالاً! دون أن ننسى أن هذا النوع من السياحة ليس حكراً على المسلمين¡ بل هناك مَن يبحث عنها من أولئك الذين ينتمون إلى ديانات أخرى¡ بما في ذلك سياح غربيون.
حققت
ماليزيا قفزات نوعية في هذا المجال¡ وجنت أرباحا وعوائد كبيرة. لقد أصبحت تمثل المقصد المثالي للسياحة الأسرية¡ لأنها تقدم كل الخدمات اللازمة في هذا المجال¡ ولأنها تعرف احتياجات الباحثين عن "السياحة الحلال". والحق أن خدمات هؤلاء ليست معقدة وليست مكلفة.
هذا النجاح الماليزي يمكن أن يشكل حافزاً لبقية الدول الإسلامية لاعتماد سياسة سياحية مشابهة¡ دون خوف من أي تأثيرات سلبية في مجتمعاتها¡ وفي القيم التي تقوم عليها. فإذا تم وضع القواعد اللازمة¡ فإن الأمور ستمضي بصورة طبيعية¡ وستؤدي حتماً إلى نتائج إيجابية سواء على سمعة البلاد¡ أو على الاقتصاد المحلي مباشرة. إنها صناعة كصناعة "الطعام الحلال"¡ والمنتجات التي تعتمد قواعد الدين الإسلامي الحنيف. ولأنها كذلك¡ فإنه ينبغي أن تكون جزءاً أصيلاً من الاقتصاد الوطني كغيرها من روافد هذا الاقتصاد.





المصدر: الشروق - كوالالمبور
دليل ماليزيا المصور