يبقى موضوع العلمانية السعودية في غاية الأهمية وغاية الحساسية وتبقى قضية طرحه ودراسته دراسة عميقة ومستفيضة وشاملة مسألة ينبغي أن تتخذ موقعها المتقدم في أولويات البحث والحوار والطرح ذلك أن العلمانية بصورتها الحقيقية نتاج غربي مما يستوجب دراسة هذا الفكر داخل بيئاته بصورة موسعة للوقوف على حقيقته ومرافقة هذا الفكر في تحولاته العالمية فالعالم الذي يتمثل العلمانية الشاملة يشمل رقعة جغرافية واسعة من العالم والعالم الذي يتمثل العلمانية الجزئية يشمل جزءا كبيرا من العالم الإسلامي والعربي هذا الانتشار الجغرافي الشاسع للعلمانية يحيلنا إلى رصد نشأتها وتتبع مراحلها.
يترتب على ما سبق سؤال هام.. أين هو موقع العلمانية في المشهد السعودي¿
وهذا يحيلنا إلى رصد وتتبع العلمانية السعودية.
يتقاطع مجتمعنا طريقان في منهج التفكير فيما يتعلق بالآخر الغرب أو العلمانية.
فهناك طريق في التفكير يقوم على إلغاء الآخر فكرا ومنهجا والنظر إلى الآخر على أنه لا يمثل حالة شرعية ولعل هذا الفهم يأتي من خلال الخلط بين الاعتراف بالآخر كواقع والاعتراف بما يمثل من فكر ومرتكز حضاري وهذا التيار لا يريد أن يفتح عينيه على واقع الآخر.
وطريق آخر في التفكير يقع في عقدة استرضاء الآخر ضمن منهج يفقده التوازن والتكافؤ والندية والتحول إلى حالة من اللهث وراء استرضاء الآخر.
إذا افترضنا أننا توصلنا إلى قناعة واضحة تماما بأهمية الالتقاء أو المصالحة أو التعايش مع الآخر عندها لا يكون مهما أن يكون المشترك الذي يلتقي عليه الطرفان مشتركا فكريا أو مصطلحاتيا على مستوى المرتكزات الفكرية لنا وللآخر بمقدار ما يجب البحث عن المشترك الأصلح الممكن للالتقاء دون أن يعني هذا بالضرورة تحايلا على الشرعية أو تسامحا في المبدئية
فالقبول بالمرتكز الفكري للطرف الآخر يكون ممكناً إذا تأكدنا من عدم وقوعه عرضا في مقابل مرتكزاتنا الفكرية الثابتة بمستوى المواجهة أو تعارضه مع مفاهيم الإسلام الذي يمثل القاعدة الفكرية لنا.
وإن كنا على إيمان كامل بالحق والحق الآخر وإن الحقيقة هي مجموع ما لدى الجميع من الحق والسعي إلى الفهم الجديد للواقع الذي نعيشه والانفتاح العقلي على الأفكار والجرأة على تجاوز المنعطفات الحادة.
وقد يتبادر السؤال ما علاقة كل هذا بالعلمانية¿
وهذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة طويلة¡ فالعلمانية كإطار مرجعي إحدى الثورات الفكرية الكبرى لفكر الآخر الغرب وفي هذه الحالة فإننا عندما نتبنى الأصول النظرية لفكر الآخر العلمانية – الذي هو فكرة هذا المقال – فإن استعارتنا أو تبنينا لتلك الأصول والنظم يمثل تحايلا على مرتكزاتنا واستبدالا لقيمنا ولكن ليس المقصود طبعا إدانة كل أفكار الآخر فإذا كانت العلمانية – على حد تعبير د. اركون - هي الاستبعاد بشكل قطعي لكل ما يخص البعد الديني من إنتاج المجتمعات البشرية.
فإن البعد الديني ليس شيئا يمكن أن يضاف إلى الإنسان أو يحذف منه وإنما هو أمر لصيق بالوجود الإنساني.
فإذا نظرنا إلى الإسلام وجدنا أنه المؤسس للحيز المدني والمؤكد عليه والمشرع له فالرسالة الإسلامية الخاتمة للنبوة والمانحة للعقل لتسيير المجتمع والتاريخ.
وعند ذلك تكون طبيعة العلاقة ما بين الديني والمدني في التجربة التاريخية الإسلامية طبيعية توافقية¡ وإن كنت أعتقد ان المعضلة ليست في العلاقة ما بين الدين والدولة وإنما في تعدد مراكز التعامل بالدين في الجماعات المتكونة خارج الدولة وامتلاك وتعدد تفسيره وإلغاء وظيفته وتحويله إلى عائق أمام الحضارة وهو توجه يشجع في بحث عن مخرج في العلمنة.
إن التوازن الدقيق يكمن في توحد الواقع والمبدأ والدين والدنيا فهي التي تخلق التوازنات الاجتماعية والتضامن بين المجتمع والحاكمº فالمجتمع والحاكم كل واحد لا يتجزأ إذ لا يمكن الفصل فيه بين الاعتقاد والسياسة¡ فالتجزئة تهديد للنظام وهو الكافل لوحدة الدولة واستمراريتها.




إضغط هنا لقراءة المزيد...