لم يعد لك في عصر الشبكات الاجتماعيّة من أسرار يمكن إخفاؤها. ولم يتبق لك من خصوصيّة تذكر ما دمت متصلا بالإنترنت وتشارك في خدمات الشبكات الاجتماعيّة وسواها. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن تتعايش معها فهذا عصر "المعلومات". وحكاية غزو الخصوصيّة بدأت مبكرا عبر خدمات البريد الإلكتروني المجانيّة ثم تواصلت حتى وصلنا إلى حالة الذهول ثم التغافل. وحيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد رسائل البريد الإلكتروني المرسلة يوميا يتجاوز 250 بليون رسالة (2.4 مليون رسالة في الثانية) فتأكد مع هذا الرقم المخيف أنّك قد ودّعت خصوصيتك وأن كلّ أسرارك بيد الغرباء. ولا يحتاج موضوع انكشاف البريد الإلكتروني إلى دليل فقد فضح "ويكيليكس" كل شيء عن أهم الشخصيّات والمؤسسات فماذا بقي لك كمستخدم عادي وما خفي أعظم.
ومن يظنّ أن معلوماته في مأمن اليوم ويعتقد أنّه حريص على أسراره لا بد له من إعادة النظر فطالما له حضور على شبكة المعلومات من خلال هاتفه الذكي فقد أصبح مكشوف المعلومات والموقع دون إذنه. نعم هذه حقيقة تقنية بدهيّة فجهاز هاتفك الذكي المتصل بالإنترنت هو في جانبه السلبي وسيط دقيق يمكّن كل خبير وخبيث من معرفة رقمك ويمكّن كل وسيط خدمات معرفة موقعك وأين قضيت ساعات يومك وليلك.
وحين تقاطرت الحشود في عصر الشبكات الاجتماعيّة لم تكتف هذه المجاميع بالمتعة والفرجة بل تطوّعت بمعظم معلوماتها الشخصيّة لمقدمي الخدمات انبهارا بهذا العالم المدهش. ومع التشبيك الكبير بين الخدمات المدفوعة والمجانيّة أصبحت البيانات الماليّة والشخصيّة متاحة لمن ملك مقاليد خزائن التقنية. وما عليك إلا أن تتأمل أعداد من سجّلوا بياناتهم في المتاجر الإلكترونيّة لتكتشف كم ضحّينا بمعلوماتنا لننعم بتطبيقات وخدمات الكرتونيّة فتحت لنا النافذة الأماميّة لنرى الدنيا ومعها فتحنا أيضا أبوابنا الخلفيّة للغرباء لانتهاك الخصوصيّة والأسرار.
وتشير الإحصائيات اليوم إلى أن حوالي 80% من مستخدمي الإنترنت يتصفحون ويتشاركون المعلومات على الشبكات الاجتماعيّة من خلال هواتفهم الذكيّة المتّصلة بالشبكة. وإذا عرفت أن عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعيّة عام 2016 تخطوا رقم 2.3 "بليون" مستخدم فعليك أن تستنج ما وراء هذا الرقم من دلالات. ومن العجائب في هذا العالم الشبكي أن ثلاث شركات أميركيّة (فيس بوك¡ تويتر¡ يوتيوب) وحدها تحتكر وتدير تريليونات المعلومات اليوميّة عن نشاطات المجتمع البشري دون منافس. وهذه المعلومات المتبادلة لا تأتي عبر الهواء ولا تختفي في الفضاء وإنما ترسل وتخزّن في مخازن (سيرفرات) عملاقة تعمل كمستودعات لا متناهية السعة لكل نشاط يمر بها على مدار الثانية. والخلاصة إذا كان هناك من يترصّد خصوصيتك فلا تتطوّع بمنحه المزيد من فرص انتهاكها.
قال ومضى:
السر الوحيد في عصر المعلومات هو ما لم تحدّث به نفسك بعد.




إضغط هنا لقراءة المزيد...