شيء مرعب للمتأمل في حال ما يجري للأمة العربية¡ والأغرب من ذلك هو أننا لا ننظر إلا تحت أقدامنا ولا نطيل النظر قليلاً إلى ما يجري حولنا من مؤامرات هدفها الأساس القضاء على هذه الأمة وتشريدها. ونحن بطبعنا متفائلون ونهتم بقوت يومنا ونذهب إلى الدعة والأنس والمتعة!
أمر مرعب حقيقة لمن يطّلع على أصل المخططات وبعض "الفيديوهات" ثم بلا هذا أو ذاك الحرب المشتعلة في كل مكان من وطننا ولا يخفى على أحد ذلك الخراب في صميم الجيوش العربية إذ لم يتبق إلا جيش المملكة العربية السعودية ومصر. ألم نسأل أنفسنا ذات مرة: لمصلحة من وإلى أى أمر ننتهي إليه¿!
فرحنا وانتشينا بخبر قيام أول محكمة عربية¡ فهل تتبعها وحدة عربية¿ قد يقول قائل إنه كلام مستهلكº لكنها أصبحت ضرورة.
حقيقة الأمر أن وطننا العربي قد أصبح فارغاً ويتوجب أن نملؤه بوحدة عربية لأنه أصبح مطمعاً نتاج هذا التفكك الإقليمي العربي الذي لا ينبئ إلا بمزيد من الشتات إذا تمادينا في ذلك
كتبت في مقالي السابق تساؤلاً ملحاً عن وحدة دول التعاون الخليجي¡ أما الآن فأصبح بالأمر المُلح أيضا توحُّد هذه الأمة من طنجة حتى البحرين توحداً سياسياً واقتصادياً ومعنوياً إذا ما أدرك المعنيون بالأمر معنى هذا التوحُّد وهذه اللُّحمة¡ التي هي في أصلها أب وأم وعرق ودم وتراث ولغة ودين وعادات وكل معاني الروابط التي تصبح عمقاً تاريخياً لهذا المشروع. لم يعد هناك من سبيل سوى التئام الجرح الدامي والنازف بالاتحاد¡ فالسماء غائمة والشمس قد لا تشرق من جديد على وطن تتكالب عليه الأمم.
من الذي قال إن هذه الدولة كذا وتلك كذا والسهام تضرب في الخاصرة والمصالح تتوسع والوطن العربي يضيق ويسبح في بحار الدم والمتفجرات والأسلحة تحصد الرؤوس ونحن نهرول لاقتناء العربات والفيلات¡ وتجار الذهب الألماس يتبارون في معروضاتهم¡ إنه العبث الذي كتبه (صمويل بيكيت) و(جين أونيل) و(آداموف) وغيرهمº الذي أصبحنا نحياه بكل تفاصيله. ففي رواية "النهايات السعيدة" لـلكاتب الأميركي (صمويل بيكيت) نجد البطلة تغوص في حفرة تبتلعها شيئاً فشياً وهي تتحدث بثرثرة طيلة الرواية عن كل شيءº بل تُحضر لها كل ألوان الزينة والمأكل والمشرب¡ أما هي فتغرق في التزين والتلذذ وهي تغوص في تلك الحفرة دونما تعيº تنتهي الرواية بابتلاعها! إنه اللامعقول والذي أصبح في يومنا هذا معقولاً¡ ومعقولاً للغايةº فالأرض تنقص من أطرافها من حولنا وكلما ازداد العرب في الفرقة والمشاحنات ازادت حفرة (بيكيت) تلك.
تساءلتُ ذات مرة عن الغجر من أين أتوا وما هو أصلهم ولماذا هم مشتتون في الأرض¿ فالغجر ليسوا بقايا شعب ولا بأقلية أو طائفة ولا أتباع ديانة منسية¡ بل هم "شعب" بلا هوية توحدهم ولا قومية تجمعهم¡ ولا وطن يحلمون بسيادته أو بالعودة إليه يوماً. مجموعات آمنت أن كل الأرض وطنهم وأن التسكّع لعنتهم. وكما تقول فونيسكا: "لم يكن للغجر أبطال ولا أساطير عن التحرر العظيم وعن تأسيس الأمة وعن الأرض الموعودة". وانتشرت حولهم الأساطير والأقاويل حتى قيل عنهم: "من معتقدات الغجر أن الجد يسمى (كين) وقد قتل شقيقه وعوقب من الله بأن جعله هائماً في الأرض هو وذريته من بعده".
هذا جزء بسيط من تلك الأساطيرº لكن حقيقة الأمر أن الغجر هم من لم يصروا على حقهم في أوطانهم ولم يدافعوا عن حقهم في الحياة فأصبحوا شتاتاً في الأرض بلا قومية أو هوية!
أعتقد أن من حقنا الوقوف على أرض صلبة في هذا المنحنى الخطير وأن تتحقق الوحدة العربية التي طالب بها الكثيرون منذ أمد بعيد وهانحن نرى التكتلات العالمية تجري بينهم ونحن نضرب المعاول في عمق تاريخنا (إنه ضرب من ضروب العبث الذي نقرؤه في الروايات العالمية) نقاتل بعضنا البعض وكأن هذه الأمة قد جاء أجلها (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) الآية..
إن أشد ما يؤرق أصحاب المؤامرات هي الهوية والقومية¡ وليس هذا بقول قائل بل رصدناه في مؤتمراتهم وفي أحاديثهم. ففي ندوة بعنوان (تفسير الربيع العربي من وجهة نظر أكاديمية أميركية) حفلت بالعديد من المنظرين ومنهم "مارتن إنديك" نائب الرئيس والمدير¡ السياسة الخارجية¡ معهد (BROOKINGS). وأوليفر روي الرئيس في (Mediterranean Studies) ـ معهد European University ـ وتوماس فريدمان محرر في الـ(New York Times).
نجد مقدم الندوة يقدم أوليفر روي فيقول: "كان أوليفر روي أحد أوائل الخبراء الذين ناقشوا الحاجة إلى الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ ودعم التغيير¡ التغيير الديمقراطي الذي فهم روي أنه سينتشر عبر العالم العربي من تونس. لقد قال إن الثورات العربية تشكل الثورات الأولى لما بعد الأسلمة". وامتدح الجيل الجديد الذي قال عنه إنه أكثر انتماء للخارج ولا يؤمن بالهوية ولا بالقومية. وكان اتكاؤهم على محو القومية والهوية هو الركيزة الأولى لما أسموه بالربيع العربي بينما كان ربيعاً أسود على أمتنا العربية..
حقيقة الأمر أن وطننا العربي قد أصبح فارغاً ويتوجب أن نملؤه بوحدة عربية لأنه أصبح مطمعاً نتاج هذا التفكك الإقليمي العربي الذي لا ينبئ إلا بمزيد من الشتات إذا تمادينا في ذلك.




إضغط هنا لقراءة المزيد...