التقيت بسمو الأمير محمد بن سلمان في جلسة طويلة مع نخبة كريمة استغرقت أكثر من خمس ساعات حتى الفجر¡ ساعدتني هذه الساعات أن أرسم انطباع عن الرجل الذي يقود التحول الاقتصادي.
سوف أبدأ منذ بداية عهد خادم الحرمين حفظه الله¡ حيث تعين الأمير محمد وزيراً للدفاع¡ وبعدها بفترة بسيطة بدأت حرب اليمن وكان البعض يتساءل عن شخصية الأمير الشاب الذي ظهر على الساحة الوطنية والسياسية بشكل قوي وكان محل اهتمام المواطنين والإعلام العالمي وبعضهم يقول (تكلم كي أراك)¡ ظهر بعد ذلك الأمير في مقطع استغرق دقائق معدود في حديث مع قادة القوات المسلحة وتهنئته لمجهودهم¡ وبعد أشهر ظهر فجأة في مؤتمر صحفي تحدث فيه عن السياسة الدولية¡ ثم حواره الشهير المصور والمتنوع مع الأستاذ تركي الدخيل وظهور الرؤية¡ أظهرت هذه الحوارات شخصيته وقام بحوارين مهمين غير مصورين مع الإيكونوميست وبلومبرغ وضحت رؤيته وأفكاره.
الحقيقة هذه الحوارات المهمة أظهرت شخصية الأمير وبرنامجه¡ لكن الإعلام لا يستطيع إظهار قدرات المسؤول¡ وخلال هذا العام مع التباطؤ الاقتصادي وارتفاع عدد العاطلين بدأت الصحافة الغربية بتوجيه أشرس الهجمات والانتقادات الإعلامية ضد المملكة¡ خصوصاً بتشبيه الهجوم الروسي على أكورانيا بالمواجهة السعودية اليمنية¡ وتوجيه هجوم شخصي ضد الأمير في أشهر الصحف الغربية.
حتى جاء اللقاء معه والذي استغرق لساعات¡ تعلمت من عملي عند النظر لأي مسؤول سواء من رئيس شركة إلى رئيس دولة¡ ألا تقيم المسؤول على سماع الكلام الذي تريده¡ بل على قدرة هذا المسؤول تبرير قراره وإدارته لمخاطر القرار¡ كان الحديث شاملاً من الأوضاع الجيوسياسية إلى تفاصيل الرؤية¡ في الحديث الاقتصادي لم تكن الأرقام هي منطقه لكن أداته الاقتصادية¡ حيث يعتقد بعد أن الحديث الاقتصادي هو مجرد أرقام¡ والحقيقة أن الأرقام في الاقتصاد هي مثل التاريخ في السياسة¡ فمعرفة التاريخ لا تكفي ولكنها مهمة¡ وكذلك الفكر الاقتصادي القائم أولاً على النظرة للموارد ثم الإنتاجية لمواجهة الفرص والتحديات¡ والأرقام هي مؤشرات القياس¡ قد يكون للبعض وجهة نظر غير نظرة الأميرº لكنه لا يستطيع إنكار منطق الأمير وسلامة حجته في قراراته وتوجهه وإدراكه لمخاطر قراره¡ بدليل إجابته عن أسئلة مفاجئة من بعض الإخوة وأجابها بلحظات.
مثلاً سأله أحد الحاضرين عن ضرورة تقليص الإنتاج البترولي فأجاب مباشرة لو قلصنا لزاد غيرنا والنتيجة لا تغير سوى ضياع حصتنا السوقية¡ وسألته بأن التحديات الجيوسياسية لم تمنع الكثير من الدول من النهوض وعددت له أسماء تلك الدول فرد مباشرة بأن هذا صحيحº لكن تحدينا أكثر صعوبة لأن تلك الدولة التي نمت كانت الأنظمة التي تعاديها تقوم على أساس ديكتاتور فرد¡ أما نحن فأعداؤنا لديهم عقيدة وأيديولوجيا¡ للأسف يؤمن بها الكثير وليست قائمة على أساس قائد واحد لكنه مقتنع بأن التنمية الداخلية هي الأساس وهذا ما لا يفهمه أعداؤنا.
كان مفهومه واسعاً لأشياء كثيرة¡ فحل مشكلة البطالة ليست ببساطة فقط بإحلال المواطن¡ بل بتنمية فرص العمل والدخل لخلق فرد قادر على الاستهلاك والإنتاج أكثر والتي تستدعي استمرار النمو الاقتصادي¡ وإدراكه للقيمة التنافسية للصناعة السعودية وأهمية أسعار اللقيم والطاقة والبحث العلمي لها¡ بالإضافة لنقاش طويل حول خصخصة أرامكو وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة وإجابته لتفاصيل تلك الأسئلة.
استغرق ذلك ساعات وإدركت أني كنت مع رجل يعرف جيداً خطورة أي قرار يتخذه وأبعاده بالمنطق وبشكل نوعي¡ ولفت نظري نشاطه الذي يذكرني بوالده الذي كان مشهوراً بدقته وساعات عمله الطويلة وحضوره المبكر لإمارة الرياض والذي كان يحرج الوزراء بانضباطه ويباري المثقفين بسعة اطلاعه وقراءته.
مر خلفنا عام شهد أسوأ أسعار للبترول وإعادة ترتيب وهيكلة للمؤسسات الحكومية¡ أما اليوم فالمستقبل طريق الخير والأمل وميزانية التنمية المطروحة تشع بتفاؤل كبير بيد رجل اتضح لكل من لاقاه قدرته ومهارته للسير في سنوات التحول القادمة.




إضغط هنا لقراءة المزيد...