رحل عنا في الأيام السابقة شاعر وقاص.. مساعد الرشيدي وصالح الأشقر.. الحزن الذي خيم على الساحة الثقافية كان حزنا عميقا وجارفا.. ما جعلني أتساءل: لماذا نحزن حين تغادرنا موهبة فذة¿ ما يقدمه الفنان يظل خالدا¡ نستطيع الاطلاع عليه والرجوع له وقت نشاء.. لكن في حالة مساعد وصالح كانت صفاتهما الشخصية سببا رئيسا في الحزن.. شعرنا في الحالتين أن فارسا نبيلا رحل.. ومع شكوانا الدائمة من قلة أخلاق الناس ونقص الشهامة الذي نردده بشكل مستمر يصبح رحيل من نعرف فيهم الشهامة والفروسية أمرا مؤلما وقاسيا.. كأننا كنا بهم نتصبر على ما نلاقي في الدنيا¡ كأننا حين نشعر بوجودهم نقول الدنيا مازالت بخير مادام هناك أشخاص بهذه الأخلاق يعيشون بيننا¡ ينقص الجمال والعدل حين يرحلون.
ليس غريبا أن نحزن ونملأ الدنيا بكاء ورثاء لفقدهم.. الغريب ألا نفعل.. أتفهم مطالبات المثقفين بتكريم المبدعين وهم على قيد الحياة¡ هذا مطلب ضروري ويدل على ارتقاء المجتمعات¡ أن نكرم من يستحق التكريم في حياته¡ لكن لا يعني ذلك أننا حين نرثي من مات أننا ملامون لأننا نفعل ذلك بعد وفاته¡ لأننا في حياتهم يملؤنا الأمل أننا سنلقاهم¡ أننا سنكتب عنهم¡ أننا سنعبر لهم عن حبنا وتقديرنا وإحساسنا بأهميتهم¡ ننتظر جديدهم¡ ونقول الله على إبداعاتهم¡ وحين يغادرون¡ ندرك فجأة أن ذلك لم يعد ممكنا¡ من هنا يأتي الإحساس بالفاجعة¡ نقص الإبداع فردا¡ قلّ الجمال في الدنيا وهذا الإنسان الجميل تحديدا الذي طالما استمتعنا بمفرداته وإسهاماته في عالم الجمال¡ لم يعد موجودا¡ نشعر أننا بحاجة إلى طريقته تحديدا¡ إلى أسلوبه¡ إلى كلماته¡ إلى وجوده.
يصبح البديل الوحيد لدينا أن نحوله إلى رمز¡ إلى أسطورة¡ وهذا ليس وهما¡ نحن لا نوهم أنفسنا أنه رمز وأسطورة¡ هو كذلك فعلا.. ما بذله في حياته¡ يجعله كذلك.
لا يكتب المبدع وهو يكتب كي يصبح خالدا¡ يكتب لأن الكتابة قدره ولأنه لا يستطيع العيش بدون كتابة¡ نحن نخلده لأنه أجاد.. الخلود يأتي من الإجادة.. والإجادة تتطلب نفسا كريمة.. تبذل كل ما تستطيع من متابعة وقراءة وبحث والتقاط الجمال في كل ما حولها كي تحوله لاحقا إلى عمل جميل.. قصيدة تمتلئ بصور غاية في الروعة كما عند مساعد الرشيدي أو قصة مذهلة بمفرداتها ومعانيها كما عند صالح الأشقر.
وحين يضاف إلى الموهبة الفذة الأخلاق الراقية والنفس الأبية¡ وهو ما تحقق في كلا الاثنين¡ يصبح الفقد صعبا ويستدعي كل هذا الحزن.
وداعاً مساعد الرشيدي..
وداعاً صالح الأشقر..
شكراً لأننا عرفنا فنكما وإبداعكما..
شكراً للجمال الذي قدمتماه طوال حياتكما..
ستبقيان في الذاكرة.. فناً وأخلاقاً..




إضغط هنا لقراءة المزيد...