كثير من الأنظمة الطارئة علينا وجدت مقاومة ورفضا داخليا عنيفا¡ كالأنظمة الاقتصادية¡ والأنظمة المعرفية¡ إلا الأنظمة الغذائية فإنها تسربت خلسة بصورة تراكمية¡ حتى استيقظنا ذات صباح لنجد أننا ثالث شعب أكثر بدانة عالميا¡ والمؤسسات الصحية تقرع صافرة الإنذار مذعورة¡ لأن 71% من نسبة الوفيات بسبب أمراض تتعلق بالسمنة.
الانتقال المفاجئ من اقتصاد الندرة إلى اقتصاد الوفرة¡ مع غياب الوعي الصحي الموازي¡ أنتج هذه الحالة الوبائية التي تئن تحت ضغطها الدوائر الصحية¡ وذلك عندما يكابد 70% من الشعب البدانة.
منذ بداية تأسيس النظام الصحي كان هناك حملات توعية بأهمية التطعيم¡ التعقيم¡ خطر التدخين... إلخ¡ لكن لم يلتفت أحد إلى شعب كامل يتورم¡ بشكل جعله يحجب الصورة النمطية لسلالات الجزيرة العربية بقدها الرمحي¡ حيث الرشاقة والجسد الأهيف وخفة الحركة.. والنساء شبيهات الظباء.
الثقافة الاستهلاكية جعلتنا أسرى حالة شره ليس له قاع¡ وحاجات متوالدة بشهوة الجديد والغريب¡ وبات هناك حالة نهم كبرى تكتنف نشاطنا الاجتماعي لتعتقله داخل الطور الغرائزي الأدني¡ وأمسى الطعام هو مدعو الشرف الأهم في مناسباتنا¡ لتتحول المناسبات الاجتماعية إلى حفلات عارمة لإعداد الطعام¡ ومن ثم التهامه¡ لتنتهي المناسبة لتبادل الوصفات استعدادا لدورة جديدة.
قيمة ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه¡ تتقهقر أمام سلسلة المطاعم¡ وزحام الوصفات¡ والتاجرات الصغيرات اللواتي يصطففن في الانستغرام¡ وأخيرا ولا أعتقد بأنه الآخر سيارات الأطعمة التي اصطفت مؤخرا أمام أهم مكتبة وطنية لدينا في مفارقة مضحكة¡ تجعلنا نعرف بأن ثقافة الأسنان تشرع في اقتحام حتى معاقلنا الثقافية.
تحاول المدن لدينا أن تتدارك ما أفسده الدهر بتهيئة عدد من المسارات للمشي¡ ولكن لا أعلم بمدى جدوى هذا في ظل:
غياب الأنشطة الرياضية بصورتها الإيجابية المنتظمة عن مؤسساتنا التعليمية¡ فهي موجودة بصورة رمزية لدى البنين¡ وغائبة تماما عن البنات.

غياب حملات التوعية الصحية¡ لاسيما عن المدارس ابتدأ من الطريقة التي يتكالب بها الطلاب على شباك المقصف¡ انتهاء بنوعية الأكل الرديئة غير الصحية¡ في مشهد يغيب عنه أي نموذج أو قدوة إيجابية عن التغذية يحتفظون بها لمستقبلهم¡ وعلاقتهم مع غذائهم لاحقا.

الكسل والترهل والخمول سمة سائدة بين نؤومات الضحى¡ حتى باتت العاملات المنزليات هن أيدينا وأرجلنا¡ ومنازلنا تصمم بغرف لهم كرفقاء درب أبدية.

غياب الأنشطة الترفيهية البديلة من فنون وآداب تسمو بالغرائزي نحو ملكوت الجمال والذوق وحساسية التلقي المهذبة للنزعات¡ المرققة للسلوك¡ وباء خطر يطوقنا¡ يتغلغل كجزء مهيمن في فعالياتنا الاجتماعية¡ فهل من جبل يعصمنا منه¿





إضغط هنا لقراءة المزيد...