الحديث عن الشفافية في المجتمع السعودي يراه بعضهم صعباً¡ وآخرون مستحيلاً¡ ولكنه في كلتا الحالين مطلب ملح¡ رغم التحديات والصعوبات التي تكتنفه¡ أو تحاول التقليل منهº لأن الشفافية وسيلة لغاية أكبر نرتجيها في تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد¡ وهي عملية مثقلة بتداخلات مؤسساتية ورقابية أخرى¡ وأنظمة ولوائح في اختبار التطبيق والتعديل المستمرين¡ ومفاهيم مجتمعية لا تزال قاصرة عن استيعاب قيمة الشفافية في الوصول إلى الحقيقة¡ والبناء عليها في المواقف والتوجهات¡ رغم الجهود الحكومية الساعية إلى تجذير الشفافية كممارسة للإفصاح عن كل ما هو مثير أو مشكوك فيه¡ أو ما هو مطلوب التعبير عنه بإرادة النظام وسلطته.
وعلى هذا الأساس لا يبدو أن هناك أزمة مع مصطلح الشفافية¡ ولكن هناك أزمات في تطبيقه¡ وتحوطات أكبر في التعبير عنه¡ وإفرازات مصالح وقوى تحاول الالتفاف عليه¡ وتفريغه من سياقه¡ ولذا شدّدت رؤية المملكة 2030 على مكافحة الفساد بكافة صوره الإدارية والمالية¡ والإفادة من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات¡ ومن ذلك تفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة¡ ومؤشر قياس الأداء¡ وتوسيع نطاق الخدمات الإلكترونية¡ وهي خطوة على الطريق الصحيح الذي لا يزال طويلاً في تهيئته قبل الشروع فيه¡ وتأطيره تقنياً وتنظيمياً للوصول إليه¡ وتحديثاً وتقييماً للحكم عليه.
الشفافية التي كانت محوراً مهماً في نقاشات مؤتمر نزاهة الثاني أمس الأولº بحاجة إلى شراكات عمل مخلصة¡ وواعية¡ ومنجزة¡ تحيطها ممارسات واضحة ودقيقة وشاملة¡ وتدعمها إرادة سياسية نافذة¡ وعقوبات ناجزة¡ وإصلاح اقتصادي كلي يعالج الخلل¡ ويسد الثغرات¡ ويمنع التداخل¡ ويطبق النظامº حتى نضمن مع كل ذلك أن تكون الشفافية تعبيراً عن المصداقية والثقة في تبادل المعلومات¡ والوضوح في الإفصاح عن مصادر الدخل وأوجه الإنفاق والميزانية والمشروعات¡ والحوكمة في سلامة الإجراءات وتطبيق السياسات¡ والمساءلة عن أي تقصير أو مخالفات أو خسائر¡ بما ينعكس في تحسين صورة الوطن محلياً ودولياً¡ ونشر قيم النزاهة في المجتمع.
وسائل الإعلام هي جزء من هذه الشراكات المجتمعية في تعزيز قيم الشفافية¡ وأكثر من يعوّل عليها اليوم في كشف التجاوزات¡ والاختلاسات¡ وتعرية الثغرات التي ينفذ من خلالها الفساد¡ ولكن السؤال الكبير: هل وسائل الإعلام في المملكة قادرة على هذا الدور¿ وهل هناك ضمانات كافية لممارسته¿ وحمايته¿ وتفعيله¿ أم أن هذا الدور لا يزال اجتهادياً في سلوكه¡ مثيراً في مضمونه¡ انفعالياً في توقيته وتداعياته¿
إذاًº كيف يكون الإعلام شريكاً في تعزيز الشفافية¿ والجواب باختصار إذا أُريد له ذلك¡ ومُنح فرصة السلطة التي فقدها¡ وذهبت اليوم إلى الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي¡ وأصبحت هذه الجماهير هناك أقوى تأثيراً وحضوراً وتفاعلاً¡ ولكنها أكثر اختراقاً وشبهة وضجيجاً!




إضغط هنا لقراءة المزيد...