في قوانين الطبيعة يحدد حجمك علاقتك مع العالم حولك¡ ويملي عليك شروط البقاء¡ فالصغير عادة يكون حذرا¡ متوجسا¡ كثير التلفت والاسترابة من محيطه¡ يظل قابعا في الأطراف والهوامش¡ يتقن عملية التمويه والتماهي مع الموجودات حوله¡ ويحرص على أن يبحث له عن كبير يلوذ بحماه ويطمئن لجنابه.
ولكن لبنان لم يكن كذلك كان صاخبا¡ صادحا¡ كلفا بالحياة¡ يرقص شعبه في بحمدون فتهتز على وقع الدبكة والأمواج حول الروشة¡ وفي داخلهم نزعة التاجر الفينيقي القديم¡ الذي اخترع الأبجدية ودرب البشر على أن يتأملوا ليس فقط أفكارهم¡ بل أيضا أفكار غيرهم.
في القرن الماضي غادره المستعمر الفرنسي بعد أن أوكل له القيام بمهمة المفتاح¡ المفتاح الذي يفتح الباب ليلج الغرب إلى العالم العربي¡ ويجلب بمعيته أفكاره وفلسفته وأحلام حريته ومصارفه ورؤوس أمواله¡ وصرعاته وآخر خطوط الموضة¡ فسالت شوارع بيروت بالشعارات¡ والأحلام¡ والكتب¡ والأدباء الفارين¡ النساء المتأنقات¡ لكن هذا السيل تحول طوفانا غرق لبنان في لجته¡ لأنه لم ينصع لقوانين البقاء¡ ولم يقدر حجمه الحقيقي.
مونت كارلو¡ هي دولة شظية وقعت من فرنسا فلم يتجاوز حجمها 2 كيلو¡ وقبعت على شواطئ الريفيرا¡ كممالك الحكايات¡ بأمير وسيم وملكة شقراء¡ وقصور الأثرياء واليخوت والمشاهير والمليارديرات¡ والمال الذي يحاول أن يغتسل من أدرانه داخل كازينوهاتها¡ وعندما تصدت الأميرة (غريس كيلي) للمرات السرية الما تحت أرضية¡ حيث الجريمة المنظمة¡ وشراسة المافيا¡ بزغ لها وحش العالم السفلي والتهمها¡ والصغير كثيرا ما تطوح به نشوته إلى درجة تجعله عاجزا عن التفطن لقدراته وحجمه.
كذلك هو نظام قطر¡ تجاهل قوانين الفيزياء المعنية بالثقل والحجم والكثافة¡ وزرع تحت كل نجمة في السماء مراسلا لقناة الجزيرة يتلصص عليها¡ وبعزيمة هرقل أشرعت صدرها للعالم الذي سيحضر برفقة كرة ذهبية يتقذفها في ساحات ملاعب هائلة¡ ولكن وإن كانت تلك الملاعب المكيفة ستحتوي ركلات الكرة¡ ولكن سماء قطر أضيق من أن تحتوي مسارات للطيارات الحربية المتطورة التي ابتاعتها مؤخرا.
حاول نظام قطر كل شيء¡ متناسيا أن الدول لها كود أخلاقي يربطها بالمجتمع الدولي¡ فلا تدار سياستها عبر الأتاوات والرشاوى وشراء الذمم¡ وإن (ابن العلقمي) الذي طعن العرب في خاصرتهم¡ وفتح بوابة بغداد الشرقية للتتار بعد أن أغروه بالتاج والصولجان البارحة¡ اليوم ستكون نهايته مهينة للغاية¡ فهو لا يمتلك البوابة الشرقية نفسها ليسرب منها الفرس والترك إلى ممالك العرب.




http://www.alriyadh.com/1604414]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]