في سبتمبر 2016 كتبت مقالاً بعنوان "كيف انتصرت إسرائيل في الحرب السادسة" أشرت فيه إلى أن تشرذمنا العربي أتاح لإسرائيل تحقيق مكاسب لم تكن لتحلم بها لو خاضت حرباً حقيقية مع العرب..
وفي الأسبوع الماضي حققت إسرائيل انتصاراً جديداً حين تمكنت من إقناع أميركا بنقل سفارتها للقدس.. فالعالم لم يعترف حتى الآن بالقدس عاصمة لإسرائيل ومن شأن اعتراف أميركا بها ترك الباب مفتوحاً لاعتراف دول أقـل منها - وهذا بالضبط ما قاله نتنياهو تعليقاً على قرار ترمب..
لن أقف طويلاً عند القرار الأميركي ولكنني أشير فقط إلى أن الحروب العسكرية لم تعد حالياً السبيل الوحيد للانتصار في المعارك (بدليل نجاح إسرائيل في استصدار هذا القرار).. في الماضي كان الاحتلال الميداني المظهر الأبرز للانتصار¡ وعظمة القائد تقاس بمساحة الأرض التي يحتلها.. ولكن في عالم اليوم تنوعت الأسلحة وتغيرت مظاهر الانتصار وأصبحت هناك معارك سياسية واقتصادية وإلكترونية تحقق نتائج أفضل من إطلاق الرصاص وقتل الجنود..
حين أرى حملة السواطير في الصومال واليمن¡ وحملة الكلاشنكوف في سوريا وليبياº أدرك أن مفهوم العرب للحرب والانتصار مازال محصوراً في القـتل وسفك الدماء.. لم يدركوا بعد أن الحروب الميدانية لم تعد مجدية لا عسكرياً ولا ميدانياً .. لم يدركوا أن الحروب الميدانية بدأت بالاختفاء فعلاً (كونها مكلفة اقتصادياً وبشرياً) وحلت محلها العمليات العسكرية الخاطفة (كعمليات اغتيال بن لادن في باكستان وزعماء القاعدة في اليمن)..
المعارك التقليدية اختفت تماماً بين الدول المتقدمة¡ في حين أصبحت معاركها مع الدول (الأقل تقدماً) تدار بطرق أقل ضجيجاً.. أصبحت تحقق انتصاراتها من خلال الضغط السياسي¡ والحصار الاقتصادي¡ والعمل المخابراتي¡ والتفوق التقني¡ وفيروسات تجتاح الشبكة.. حتى حين تحتاج لعمل عسكري (كوسيلة ضغط أو تحذير) تكتفي بعملية مغاوير أو طائرات بلا طيار أو حتى صواريخ تأتي من الطرف الآخر للأرض...
الحروب التقليدية ستتحول بالكامل إلى "القطاع الخاص" وتصبح "صناعة" تديرها شركات الأسلحة وإعادة الإعمار (فـأثناء احتلال العراق مثلاً كان الجيش الأميركي يوظف 1500 شركة عسكرية 411 منها لحماية المناطق و23 لخوض المعارك و17 للتحقيق وجمع المعلومات الاستخباراتية فيما تنحصر أعمال البقية ما بين تموين وتدريب وتجهيز ومتابعة)!!
وإسرائيل -من جهتها- ستفوز في الحرب الثامنة والتاسعة والعاشرة حتى يدرك العرب تغير طبيعة المعارك ذاتها.. لن تعمد لأي مواجهة عسكرية (رغم أن جيشها أقوى من كافة الجيوش العربية) كونها تملك وسائل بديلة¡ وأسلحة غير مكلفة¡ تضمن لها التأييد الدولي والتفوق الميداني..
وما يطمئنها أكثر أن أسلحة العرب موجهة دائماً ضد أنفسهم ولم يحدث طوال أربعين عاماً أن اقتربوا من حدودها.. شعارات "الموت لإسرائيل" التي يلوح بها حزب الله وتنظيم داعش وجماعة الحوثي لـم تتحرك يوماً تجاه إسرائيل¡ في حين قطعت إسرائيل مسافة كبيرة نحو الاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لها دون ضجيج أو حمل شعارات...




http://www.alriyadh.com/1645123]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]