سقف الاحتجاجات الشعبية في إيران تجاوز مطالب الفقر والغلاء والبطالة إلى إطلاق هتافات سياسية ضد الديكتاتور الأعلى علي خامنئي والرئيس الصوري حسن روحاني¡ وهذا يعطي مؤشراً داخلياً من جانبين: الأول أن الشعب لم يعد خائفاً¡ والثاني لم يعد مقتنعاً بسياسة دولته وتدخلاتها الخارجية¡ وكلا الأمرين يمثلان شرارة تبدو صغيرة لكنها مهمة في رسائلها.
الرسالة الأولى تعرية الفكر الأيديولوجي الطائفي الذي قام عليه أساس الجمهورية الإسلامية¡ حيث لم تعد ولاية الفقيه بما فيها من مرجعيات¡ وحوزات¡ وخطاب¡ وسياسات¡ وتدخلات كافية لإقناع شعب ينشد الحرية¡ والعيش المشترك¡ وسد احتياجاته الضرورية في مأكله وصحته وتعليمه وتنميته¡ حيث وجد الشعب بعد أربعة عقود من الزمن أن شعارات الولي الفقيه تركته جائعاً¡ فقيراً¡ عاطلاً عن العمل¡ مقيداً في حريته¡ محاصراً في داخله¡ رغم إيرادات الدولة الغنية بالطاقة والزراعة والمياه والصناعة والتجارة¡ وبالتالي ليس مجدياً الاستمرار في ذلك الطريق¡ أو السكوت عن نتائجه¡ أو الاستسلام أمام آلة قمعه وتخويفه.
الرسالة الثانية للنظام السياسي في طهران الذي لم يحدد موقفه بعد هل هو دولة أم ثورة¡ حيث لا يمكن أن تتعدد الرؤوس لحكم بلد متنوع الأعراق والثقافاتº فالرئيس ليس لديه سلطة الحكم بوجود المرشد الأعلى¡ ولا إصدار الأوامر من دون موافقة الحرس الجمهوري¡ أو تمرير مشروع في البرلمان وغالبية أعضائه يدينون بالولاء للمرشد وليس الدولة¡ وهنا وجد الشعب نفسه يدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها بفعل تركيبة النظام المعتل والمغلوب على أمره.
الرسالة الثالثة لحلفاء إيران في الخارج¡ من أن دولة الملالي هشّة في داخلها¡ وقابلة للانفجار في أي لحظة¡ ولا يعتمد عليها كحليف استراتيجي لمواجهة الأزمات¡ أو تحقيق الأحلام والتطلعاتº فحزب الله والحوثي والحشد وأخيراً قطر كلها أدوات إيرانية خرجت عن نسق مجتمعاتها¡ وارتمت في حضن الإرهاب¡ وأي تصعيد في الداخل الإيراني يعني زعزعة مشروعهم السياسي¡ ومبرراً شعبياً للخروج عليهمº فإذا كان الشعب الإيراني ينتفض فمن باب أولى أن تنتفض الشعوب التي أجبرتها أنظمتها وأحزابها أن تكون تابعة للولي الفقيه.
ليس سهلاً أن تحقق الانتفاضة الشعبية في إيران نجاحاً يغيّر المعادلة السياسية والطائفية هناك¡ ولكنها بداية لمعركة داخلية ستأخذ وقتاً لإعادة الحسابات¡ والسياسات¡ وتبادل الاتهامات بين أركان النظام¡ حيث لم يكن مصدر الضغط خارجياً تكفيه الشعارات الزائفة لاحتوائه¡ ولكن مصدر الضغط هذه المرة هو الشعب الذي تعلّم من المسيرة الخضراء 2009 كيف يثور على رأس النظام وليس رئيس النظام¡ وهنا يسجل الفارق وعياً شعبياً في مهمة تتجاوز تصحيح المسار إلى المطالبة بتغييره¡ وهو التحدي الذي بدأ ولن يتوقف.




http://www.alriyadh.com/1650894]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]