كنت في المطار أنتظر موعد دخول الطائرة¡ وبجواري شباب وشابات كل منهم مشغول بهاتفه الذكي¡ الشاب الأول يتابع مسلسلاً على نتفلكس والثاني يشاهد حفل تخرج صاحبه على الفيسبوك والفتاة (تتسوق) عبر أحد المواقع وأختها تقرأ إحدى الصحف.. أصبح الهاتف الذكي هو التلفاز والسوق والجريدة و(صلة الرحم) في فيسبوك الذي أصبح (القبيلة الافتراضية)¡ جيل جديد لا يريد أن يمتلك الأشياء¡ لكن أن يشارك ويستمتع بها¡ أحد هؤلاء الشباب قال لي بأنه باع سيارته في أميركا حيث يدرس واكتفى (أوبرا) و(لفتي).
هذه التغيرات الجديدة في التفكير والسلوك لم يعد من الأهمية امتلاك الأشياء بقدر الحصول والمشاركة بها¡ في تقديري بأنها نتيجة تطور التقنية أولاً¡ وثانياً انخفاض الدخل حيث تشير دراسة (كرديت سويس) أن الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 و 39 لديهم ثروة أقل بنسبة 46 % قياساً بأقرانهم قبل عشر سنوات¡ وفي المملكة نسبة العاطلين تجاوزت 12.8 % ومع ظهور رسوم جديدة سوف تعزز أيضاً هذا السلوك والتوجه.
في إحصائية صادرة من (نيلسون توتال) تشير بأن عدد دقائق المتابعة للتلفزيون -للأميركان البالغين - انخفضت بنسبة 6.4 % ما بين 2015-2017 بينما ارتفعت نسبة المتابعة على الكمبيوتر المحمول 20 % والهاتف الذكي 140 %.. سوف ترغب الأجيال الجديدة في الاستفادة من الخدمات المتاحة دون امتلاك للأصول وهذا ما جعل كبرى شركات صناعة السيارات مثل جنرال موترز وفورد تستثمر في (لفتي) أو توتال في (أوبر) لأنها ترى إمكانية نمو هذه الخدمات على حساب نمو تملك الأفراد¡ حتى على مستوى الشركات أصبحت أضخم الشركات تقلص حجم أصولها الملموسة¡ لكي لا يكون تركيزها على الإنتاج بل على البحث والتطوير والتصميم ومتابعة السوقº مثلاً شركة أبل منحت تصنيع الأجهزة الذكية لشركة خارجية لكن هي من يصممها ويشكل سوقها¡ ونحن في المملكة لا نزال نتحدث عن الصناعة التحويلية ونحن نعلم بأن هذه الصناعة لا تستطيع تقديم قيمة مضافة (نسبة الإنفاق على البحث والتطوير بالنسبة للناتج المحلي هي من الأقل في العالم 0.4 % بالنسبة للناتج المحلي) وبالتالي ارتفاع تكاليف مدخلاتها سوف يكون على حساب أرباحها وقدرت توظيفها ومستوى رواتبها ناهيك عن استهلاكها الكبير للكهرباء ونحن نعلم بأن قطاع الخدمات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة هي من يصنع فرص العمل في العالم.
هذه التغيرات سوف تخلق في السلوك نحو الخدمات على حساب تملك الأصول سوف يكون لها انعكاسات في نمو الطلب العالمي على الكهرباء دراسة (Computer Power) تقول إن الكهرباء المستهلكة لإنتاج البتكوين هذا العام تعادل طاقة دولة مثل ايرلندا أو جنوب افريقيا¡ المملكة تقريباً 99 % من مصدر كهربائها من النفط والغاز¡ ومتوقع أيضاً ارتفاع الطلب على البيانات وخدمات الانترنت بشكل متسارع¡ وفي المملكة ارتفع استهلاك البيانات ثلاثة أضعاف.
أخيراً مع كل هذه التغيرات في السلوك الاستهلاكي والواقع الاقتصادي¡ يبقى في النفس شيء من (زمن الطيبين) فلا تحلو رحلة الطائرة بالنسبة لي إلا بقراءة الصحف الورقية.




http://www.alriyadh.com/1650933]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]