كم هي الأفعال التي يطلق الناس عليها «حرام»¿ وكم هي الأقوال¿ وكم هي الحاجات¿ وما أنزل الله بتحريمها من سلطان¡ حتى أصبحت نظرة كثير من الناس لهذا الدين أنه دين «المنع»¡ والحق أنه هو دين اليسر ووضع الأغلال والآصار..
لا يرتاب أحد من المسلمين في رجوع «التحليل والتحريم» إلى الوحي المطهر¡ ولا يدعي أحد مهما بلغت مرتبته في العلم بأن له مجالاً في أن يحلل أو يحرم¡ وما ذاك إلا لعجز العقول عن الإحاطة بمصالح الخلق¡ على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وتباين مصالحهم¡ فتولى الخالق سبحانه رسم دائرة المحرم ووضع المحرمات فيها كأيقونة لا تخفى على متأمل¡ ولم تكن دائرة مبهمة بل مبينة مفصلة «وقد فصل لكم ما حرم عليكم»¡ ولتضييق هذه الدائرة أرسل الرسل لتمنع العقول من التجاوز في الحكم على تصرفات الخلق¡ فجاءت الرسل لتنظيم الخلق في عباداتهم وعاداتهم بما يصلح دنياهم وآخرتهم¡ وقد جاء نبينا صلى الله عليه وآله ألينهم شرعاً وأكثرهم أتباعاً¡ وأنزل عليه «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام»¡ فكل مدع لمحرم لم ينزل الله به سلطاناً بيناً واضحًا مفصلاً فقد نال من الكذب نصيباً¡ وقد نجد هذا «الكذب» مغلفًا بغلاف العادات والتقاليد¡ أو مسوغًا برأي جاف أو غال ممن سلكوا مسلك الفقه¡ فنجد أنفسنا مكلفين أن نقول لهؤلاء «هذا حرام»!
وكم هي الأفعال التي يطلق الناس عليها «حرام»¿ وكم هي الأقوال¿ وكم هي الحاجات¿ وما أنزل الله بتحريمها من سلطان¡ حتى أصبحت نظرة كثير من الناس لهذا الدين أنه دين «المنع» والحق أنه هو دين اليسر ووضع الأغلال والآصار¡ (ويضع عنهم إصرهم والأغلال).
إن هذا الدين إسعاد للبشر في الدارين¡ وفسح الحياة الدنيا لهم وفق حوائجهم¡ فمن الغرابة أن تجد ظن المسلم في التدين أنه حرمان النفس من التمتع بما أحل الله¡ ومن كان هذا تدينه فما عرف التدين¡ ولا شم رائحة العلم إن ادعاه¡ ولله در الشافعي فقد نُسب له:
فَلَولا العِلمُ ما سَعِدَت رِجالٌ
وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ
فالفقه والعلم سعادة يلتمسها المجتمع لدلالة العلم له على مواضع التيسير¡ فإن التشديد والغلو والتماس الأشد هو أمر غير مرغب فيه في شرعنا بل جاء الوعيد الشديد لمن سأل سؤالاً عن شيء فحرم ذلك الشيء لسؤاله¡ وهذا في زمن النبي صلى الله عليه وآله.
واليوم يأتي المستفتي للعالم من يمينه تارة ومن شماله تارة أخرى ليستخرج منه فتوى «هذا حرام»! وهناك من يتجشم تأليف كتاب أو نشر منشورات ومطويات لإثبات تحريم مباح¡ أو إقرار المجتمع على ذم ملبس أو مأكل أو مشرب¡ وحين التدقيق في ما كتب أو نشر لا تجد ما كتبه إلا ضد فكرته وناقضًا لتأصيله¡ فمن المحال أن تجد في نصوص الشرع ما يعقد على المجتمع حياته ومعيشته¡ ولكنها طريقة سابقة للاستكثار بالفقه وتخويف الناس بـ»قال الله¡ قال رسوله»! وكما يقال بين القول والحقيقة بعد المشرقين¡ فما قال الله وقال رسوله لا يكون إلا واضحًا بيناً مفصلاً! ولا يُفهم مني هنا أن لا خلاف في شيء بين الفقهاء أهو حلال أم حرام¡ بل إن هذا الخلاف أمر واقع بين العلماء¡ ولكن كان أدب الفقهاء فيه أرقى مما صوره البعض¡ فلم يكن منهم من يتهم المخالف لقوله بأنه «ارتكب ما حرم الله»! فما دامت المسألة تخضع للاجتهاد وإعمال الرأي فليس أحد أولى بالتهمة من الآخر! وقد اشتهرت بينهم قاعدة «لا إنكار في مواضع الخلاف» ولا متسع لمناقشته¡ وإنما نريد لفت أنظار من يتجشمون مشقة الكلام في الحلال والحرام أن يتخذوا من مواقف السلف منهجًا¡ ونقول لمن لم يحم حول العلم لا تقل «هذا حلال وهذا حرام» بغير علم فإن «هذا حرام».. هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1660966]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]