واقع الأمر أن بيننا أشخاصاً ليسوا أعضاء في كتائب إلكترونية ولا شيء من هذا القبيل¡ هم فقط أشخاص جبلوا على الكآبة والإحباط من أولئك الذين نلتقيهم في مجتمعاتنا ونتحاشى الحديث معهم¡ لكنهم وجدوا في شبكات التواصل ضالتهم لنشر الإحباط والكآبة على أوسع نطاق ممكن من البشر..
أكثر من دراسة علمية أشارت بأصابع الاتهام إلى شبكات التواصل الاجتماعي¡ مؤكدة مسؤوليتها عن حالات اكتئاب عصفت بحياة كثيرين منذ انضمامهم إلى مجتمعات الفضاء الافتراضي.
لكن واقع الأمر أن شبكات التواصل لم تكن الفكرة من إنشائها أن تصيب ملايين البشر حول العالم بالكآبة¡ بل العكس من ذلك تماماً¡ إذ تعد شبكة التواصل الاجتماعي ذراعاً إنسانية هيدروليكية عملاقة تضم مجموعات كبيرة من البشر¡ تجمعك بأصدقاء الماضي¡ وأقرانك في التخصص¡ وشركائك في الهوايات¡ وفوق هذا وذاك تثري معارفك وتزيد رصيدك من العلاقات الإنسانية¡ وتسافر من خلالها عبر صفحات الأصدقاء من غير حدودك إلى بلدانهم¡ تشاهد ملامح بلادهم¡ تصغي إلى أحاديثهم¡ تشاركهم أحلامهم وآلامهم ونجاحاتهم. بعض الأصدقاء الافتراضيين أصبحوا أصدقاء في الواقع¡ تبادلوا الزيارات في أوطانهم¡ وبعضهم نظموا تجمعات كبرى في شتى الفنون والآداب¡ نعم تجربة بالغة الثراء¡ لولا أن هناك دائماً من يفسدون كل شيء.. هناك دائماً نماذج بشرية تحتاج إلى إخضاعها للدراسات الاجتماعية¡ أو دراسات علم النفس ربما¡ لعلنا نعثر على «جِين» وراثي داخل أحدهم يكشف لنا عن هذه القدرة الهائلة على إفساد كل شيء¡ وتعكير صفو كل شيء¡ وصناعة الكآبة للآخرين على صفحات شبكات التواصل.
لا أعرف حقيقة دوافع بعضهم في الإساءة إلى الآخرين على صفحات مواقع التواصل¡ بالتطاول عليهم¡ أو الدخول في معارك كلامية معهم¡ أو حتى الاعتراض عليهم ومناقشتهم في كل شيء طوال الوقت¡ نعم لا بأس في الحوار والنقاش¡ فهذا إحدى وظائف هذه الشبكات¡ لكن المشكلة حين يكون دور أحدنا أن يعارض وحسب¡ يحاصر الآخرين كلما حاولوا الحديث بإيجابية عن أي شأن من الشؤون¡ يأخذ كل حديث إيجابي بعيداً عن مقصد صاحبه إلى منطقة مظلمة¡ حتى إن كثيراً من مرتادي شبكات التواصل أصبحت لدى كل منهم شكوى من أشخاص بعينهم تخصصوا في بث التشاؤم والإحباط¡ وكأنهم يتخذون من شبكات التواصل أداة لقتل كل أمل¡ وفرض رؤيتهم السوداوية لكل شيء على الجميع.
وهناك آخرون لديهم طريقة مختلفة في تكدير الصفو العام¡ نعم هو لا يشتبك معك كلما بدت منك بادرة تفاؤل على حسابك¡ ولا يسبك من باب احترام حقك في أن تقول ما تشاء على حسابك من دون أن يتطفل أحدهم عليك¡ لكنه يخصص حسابه لبث موجات متلاحقة من التشاؤم والكراهية والسب العام أحياناً الذي يدخل في حكمه كل ما تقع عينه على تغريداته¡ أو مشاركاته¡ الأمر الذي يجعل حسابات بعضهم أشبه بأحجار العثرة في طريق أحدنا¡ عليه أن يرفع قدمه ليتخطاها¡ حتى يحتفظ بسلامه النفسي.
ما من شك في أن إشاعة أجواء الكراهية وبث الإحباط بين مجتمع ما¡ إحدى وسائل حروب الجيل الرابع التي تكلف بعض الدول كتائب إلكترونية للاضطلاع بمهام من هذا النوع في مجتمعات الدول الأخرى المعادية¡ وما الثورات العربية عنا ببعيد¡ فبهذه الطريقة نفسها دفع الناس للثورة بعد بلوغ الإحباط الذي يبث لهم على شبكات التواصل مداه¡ لكن واقع الأمر أن بيننا أشخاصاً ليسوا أعضاء في كتائب إلكترونية ولا شيء من هذا القبيل¡ هم فقط أشخاص جبلوا على الكآبة والإحباط من أولئك الذين نلتقيهم في مجتمعاتنا ونتحاشى الحديث معهم¡ لكنهم وجدوا في شبكات التواصل ضالتهم لنشر الإحباط والكآبة على أوسع نطاق ممكن من البشر¡ لا أعرف حقيقة دوافع هؤلاء¡ ولدي فضول أن أعرف¡ فقط وجدت الأمر مؤرقاً لكثيرين¡ فوددت الإشارة إليه¡ لعل المختصين في العلوم الاجتماعية أو علم النفس¡ يدلون بدلوهم في دوافع صناع الإحباط حتى يتسببوا في حالات الكآبة هذه لملايين البشر.




http://www.alriyadh.com/1674544]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]