بالتأكيد ليس هناك أسوء من التنظير نفسهº سوى من لا يعرف أنه منظّر محترف أو مبدع أفكار جهبذ!
إحدى خصائصنا كبشر أننا نحكم على الأمور بناء على تصورنا الشخصي, وأيضاً بناءً على خلفيتنا الثقافية وتجاربنا السابقة¡ هذا الحكم القاصر قد يؤدي بنا إلى تقديم الاقتراحات والحلول التي نعتقد أنها هي ما سوف يتجاوز العقبات ويحسن الأداء¡ ومن نافلة القول أن كثيراً مما يطرح لا يدخل إلا في نطاق التنظير ومشتقاته من الهياط والاستعراض والتبرير.
تبدأ مأساة التنظير من ضيق الأفق ومحدودية التجربة¡ فيمسي ما يطرح من أفكار وتحليلات وحلول مجرد قشرة سطحية لا تصل إلى جذور المشكلة, بل مجرد رؤية عابرة لما يراه الجميع من الخارج, وهي أفكار إن طبقت مثلاً في خدمة حكومية قد تؤدي لمشاكل أكبر وتداخلات أوسع مع جهات حكومية أو خاصة أخرى, كما يحدث دائماً في أفكار تسهيل إجراءات الأعمال والتي قد يؤدي التهاون في بعضها لعدم الالتزام بشروط السلامة المهنية أو غياب الملاءة المالية مما قد يعرض حقوق الخصوم للضياع¡ والأمثلة كثيرة على تنظيرات سطحية أدت إلى تفاقم المشكلة الأساسية¡ بل واتساعها لتشمل نطاقاً أوسع.
هناك فئة واسعة ممن يعلّق فشله في حياته ومسيرته الوظيفية على كل شيء¡ ويتفرغ ليل نهار للتنظير على النماذج الناجحة, وابتداع الأفكار التي غالبها عامة لا يمكن تنفيذها, بينما يقبع هو دون تطوير وانطلاق إلى الأمام, يدور في حلقة مفرغة من التنظير الخارجي, دون أن يفكر لحظة واحدة أن ينظّر على حياته اليومية, أو أن يحاول تطبيق ما يسوط بها الآخرين على نفسه! لأننا للأسف دوماً لا نرى ما نحن غارقون فيه, بينما يسهل علينا الانتقاد والتنظير على الآخرين, بل وممارسة الأستاذية على من يفوقوننا علماً وخبرة.
لست أطالب بمصادرة حق التنظير وإبداء الرأي¡ لكنني أدعو لمزيد من التعقّل والحكمة¡ لمزيد من التروي والوقت¡ والأهم إدراك الواقع والظروف والإمكانات, فهي ما قد تمنع تنفيذ بعض الحلول¡ ذلك أن محدودية الموارد تحد كثيراً من تطبيق الحلول والأفكار التي يراها البعض بديهية, فالتحدي الإداري دوماً هو حسن استغلال الموارد المتاحة لتحقيق أعلى النتائج, سواء في حياتك أو وظيفتك أو استثمارك.
ودعني أخبرك عن أسوء شيء قد يصيب مدمني التنظير ومبدعي الأفكار السطحيةº ألا وهو غرقهم في مستنقع السلبية, فهم لا يجدون من يأخذ أفكارهم على محمل الجد, ناهيك عن عدم تنفيذها, مما يجعلهم يستمرؤون النقد لأجل النقد ولأجل فتح الطريق أمام تنظيرهم, الذي لا يسمن ولا يغني من جوع بل يقطع وقتهم, ويجعلهم يستمرون بالهرب من مواجهة عقبات واقعهم الحقيقية.




http://www.alriyadh.com/1680907]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]