أحد أعظم التحديات التي واجهت (إليزابيث الثانية) هي تحديث المملكة البريطانية¡ حيث تولت العرش بعد وفاة والدها وعزل عمها¡ بعد أن خيّر الأخير بين الحكم وبين الزواج بسيدة (مطلقة) حيث يعد ذلك في الدستور الملكي ممنوعاً على الإطلاق.
وأحد أعظم الانتقادات التي توجه للملكة¡ أنه وبسبب شخصيتها شديدة التحفظ¡ لم تقم بإضافة شيء جديد خلال عهدها¡ مقارنة بأسلافها من الملكات السابقات¡ اللاتي أحدثن تغييرات جريئة في عهدهن.
إلا أن سحر الوقت أقوى من التاج البريطاني والقوانين العتيدة¡ فشاهدنا ضمن ملايين حول العالم الزفاف الملكي (للأمير هاري) والممثلة الأميركية من أصول أفريقية (ميغان ميركل) والذي يعد هذا الزواج زواجها الثاني¡ ولهذا فقد قدمت الملكة استثناءات عديدة وكبيرة لحفيدها تحسب لعهدها¡ وذلك لربما بسبب أن الأمير هو السادس في تراتبية العرش مما يعني من المستبعد أن يكون ملكاً ذات يوم¡ ولكن الأرجح أنها أدركت ضعف قدرتها على التمسك بشدة بقوانين مئات السنين فكان ولابد أن ترخي قبضتها للتغيرات الزمنية وهذا لصالح بقاء التاج.
ومن شاهد مراسم الحفل لاحظ الوجود الطاغي للعرق الأسود والثقافة الأميركية - الأفريقية¡ بشكل مقصود أن يكون بهذه الكثافة¡ وقد يكون هذا أحد الأطباع الأميركية التائقة دائماً لفرض أميركيتها على الآخر.
وبالرغم من أن الزواج لم يعد إحدى الاتفاقيات السياسية بين الدول لتبادل منافع أو كسب حلفاء كما في السابق¡ إنما شخصية العروس على ما يبدو لديها نزعة لتعزيز وجودها في (قصر برمنغهام) والإعلان الصريح بأنها قد أضافت علامة تاريخية وبانضمامها قد جاءت بالاستثناء.
فقد كان الزفاف احتفاءً بالأسود¡ فكان من بين الحضور النخبة العالمية المحسوبين عرقياً على غايات العروس¡ وأيضاً اختير أسقف أسود خصص خطبته عن الحب وممتلئة بالاقتباسات عن (مارتن لوثر كنغ) المعروف بزعيم الحركة الأميركية لإنهاء التمييز العنصري ضد السود¡ مما أكد المقصد خلف اختياره بالتحديد لهذه المناسبة. تلت الموعظة جوقة غنائية من الأميركان ذوي أصول أفريقية تترنم بموسيقى بذات الأصول¡ ومن ثم عزف بريطاني أسمر منفرداً على التشيللو وسط الممر الرئيس للكنيسة محل الزفاف.
برأيي لم يكن لذلك كله داعٍ¡ فالعنصرية جريمة في بلدي الزوجين ومجتمعهما¡ وقد صبغت العنصرية بالمساوة ولم تعد المجتمعات التي تعظم الإنسانية ويحكمها القانون تضع أي اعتبار للأعراق. فما قامت به (الدوقة ميغان) تكريس للعنصرية من وجه آخر¡ فمما يبدو أنها تشعر بالتهديد¡ يوحي به تكلفها في استحضار أصولها وهويتها.
هل هذا يعني أن العنصرية لا تزال جمرة تحت الرماد وأن ما بين التسامح الملكي وصرامة القوانين هناك منطقة لاتزال يسيطر عليها تفوق الأبيض بينما يزدرى الأسود.
أما الأكيد فهو أن لا شيء يبقى على حاله¡ ففي السابق كان فعل الأمير هذا مرفوضاً وقد يكلفه الكثير¡ أما اليوم ففعله مبارك ملكياً.




http://www.alriyadh.com/1683329]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]