نظرية أينشتاين النسبية لها جانب فكري وفلسفي يمكن أن ينطبق على أي شيء.. نبهتنا إلى أن كل الأحداث والتصرفات والمشاهد (نسبية).. نبهتنا إلى أن الزمن «نسبي» وغير ثابت ويتراوح بين التسارع والتباطؤ والثبات.. نبهتنا إلى أن إيقاع الزمن على كوكب الأرض يختلف عن إيقاع الزمن في مركبة تسير بسرعة الضوء.. نبهتنا إلى أن أعمارنا تختلف عما يحدث فوق الكواكب والمجرات البعيدة..
لن أدخلكم في متاهات النسبية (وتغير الزمن بحسب السرعة وموقع المشاهد) وسأكتفي بظاهرة أكثر بساطة ومدعاة للتأمل.. ظاهرة التأخير التي تحدث مع موجات البث المنطلقة مـن الأرض - والقادمة إليها..
خطرت الفكرة ببالي أثناء تصفحي لكتاب خاص بالرحلات الفضائية.. ففي العام 2003 وصلت إلى الأرض إشارة غير متوقعة من المركبة الفضائية بايونير التي أطلقت قبل 46 عاماً¡ وتعد أول جسم من صنع الإنسان يغادر كامل المجموعة الشمسية.. في ذلك العام كانت قد ابتعدت عن الأرض لمسافة تزيد على مئة ضعف المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس.. استغرقت رسالتها عشر ساعات كاملة حتى وصلت لمركز المراقبة على الأرض - رغم السرعة الخارقة للموجات الكهرومغناطيسية التي تبلغ 299,792,458 متراً في الثانية..
وهذا يعني أنه في اللحظة التي استلم فيها مركز المراقبة إشارة المركبة (فوق الأرض) كان قد مر من عمر المركبة عشر ساعات يمكن أن يحدث فيها أي شيء.. وهذه المفارقة الزمنية تحدث في أي حالة رصد أو مشاهدة تتم بين جسمين بعيدين في الفضاء الخارجي.. فحين يصل إلينا إرسال راديوي من أحد الكواكب البعيدة¡ أو نرى ضوءاً لامعاً من أحد النجوم المضيئة¡ فإننا في الحقيقة نرصد الماضي ونسافر عبر الزمن لرؤية ما حدث قبل وصولهما لكوكب الأرض (وإن كنت مهتماً بهذا الأمر ابحث في النت عن مقال: لماذا ترى الماضي حين تنظر للسماء¿)...
... نعـود إلى المركبة بايونير التي أطلقتها وكالة ناسا العام 1972 وكان مقدراً لها ألا تعيش لأكثر من ثلاث سنوات¡ ولا تتجاوز في أحسن الأحوال كوكب المشتري.. ولكن ما حدث بعد ذلك يعد سلسلة من التوافيق وحسن الطالع لواحد من أعظم الإنجازات العلمية على الإطلاقº فبايونير عملت بكفاءة (حتى العام 2003 حين تم آخر اتصال معها) ولأكثر من تسعة أضعاف عمرها الافتراضي.. ولا يعرف حتى اليوم (في مايو 2018) إلى أي مسافة وصلت خارج حدود مجموعتنا الشمسية.. غير أنني قرأت أن المركبة أصبحت بحلول العام 2015 على بعد يعادل 100 ضعف المسافة بين الشمس والأرض..
وكانت بايونير تحمل حتى ذلك العام الرقم القياسي كأبعد جسم صنعه الإنسان¡ قبل أن تلحق بها (في أكتوبر من نفس العام) مركبة أكثر تطوراً تدعى فوياجر1 أطلقت في العام1977 ووصلت إلى نحو 130 ضعف المسافة بيننا وبين الشمس...
ورغم انقطاع التواصل مع المركبتين (بسبب بعد المسافة) تم توجيه بايونير منذ البداية للوصول بعد 40.000 سنة إلى رجل القنطور (أقرب نجم إلـينا) في حين تم توجيه فوياجر للوصول بعد296.000 سنة إلى مجرة الشعرى اليمانية!
وكما أخبرتكم.. الأمور نسبية.. حتى فيما يخص الإنجازات البشرية...




http://www.alriyadh.com/1683355]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]