أحيانا يأتيك السؤال: هل هناك مؤامرة على بعض المصطلحات السامية (عند من يهوون الضجيج على مشهدنا الإلكتروني) لخدمة أغراض أيدلوجية معينة¿ أم أن العمى الذي صنعته مقاولات ومقاولو «الفوضى الخلاقة» جعلت العيون لا تبصر والبصائر لا تعتبر. ماذا يعني أن يُستهدف من يدافع عن وطنه ومقدراته بلقب «وطنجي»¿ ومن أين ظهر هذا التوصيف¿ وهل أصبحت الوطنية وحب الوطن تهمة¿
ما كدنا ننتهي من تنظيف غبار مصطلح «غلاة الطاعة» الذي روّجته أدبيات وشخصيات تلبّست عباءة الدين في خدمة انتهازية السياسة حتى ظهر مصطلح «الوطنجية» وكأن الانتساب للوطن أمر ينبغي التبرؤ منه. وحين تتأمل هذه المصطلحات تجد المكر الشديد واللؤم البيّن بحيث يشعر المرء بأن تهمة «وطنجي» ستسلّط على رأسه فور شروعه في المنافحة عن وطنه ومقدراته. وكذلك كان الحال (وربما مازال) عندما كان نفر من أبناء الوطن يعتزون بقيادات وطنهم ورموزه فيرشقهم المتربصون بسكينة وطنهم بنعت «غلاة الطاعة».
وهذا الانقلاب في المفاهيم لا يمكن أن يكون عفوياً في أساسه. وهو مرض لا يختص به تيار دون غيره. ومن ذلك مثلا انحراف توظيف مصطلحات أخرى مثل وصف «الاستشراف» حين يطلقه بعضهم بخبث أو غباء لقصف إرادة كل من يهتم لقيم مجتمعه وثوابت دينه لتصبح الدعوة للشرف والقيم تهمة. وتروج هذه المصطلحات بشكل واضح على الوسائط الإلكترونية (تويتر¡ واتس آب) بشكل باتت معه وكأنها من المصطلحات المقبولة.
وللمتأمل يمكن القول إن نفي الوطن وتهميش قدره وهويته داء أصيل في عقل صنفين من الناس: من تلبسته الأفكار العدمية لهوى أو غوى ولم يستوعب المفهوم الحضاري لمصطلح «الليبرالية» فانشغل المسكين بتدمير ذاته وتحطيم أدواته دون وعي. والصنف الثاني: من تمت برمجته في محاضن التيارات المخادعة سواء باسم الدين (الإخوان المسلمين) أو باسم العرق (البعث والقومية) وأحياناً باسم مفاهيم الحرية (الليبرالية المشوهة).
ومن يراجع كشف حساب الخريف (الربيع) العربي يجد أن بعض هذه التيارات المتنافسة على تحريف المفاهيم (على تناقضها الفكري) تحالفت في مراحل معينة على الوهم الموعود باقتسام الكعكة. ورأينا من عُينوا لتمثيلها وهم (يوزعون) الابتسامات الصفراء الباهتة على صفحات الصحف وعلى الشاشات موهومين بأنهم سيكونون رموزاً للمرحلة القادمة.
كم كانت مشاهد وجوههم مثيرة للرثاء وهم يتبادلون الزيارات والاعتذارات (البلاستيكية) عمّا سلف ليعودوا -بعد أن نفض المقاولون يدهم- إلى الاحتراب والتقاذف بأبشع الذكريات والصفات. إنّ صفة «وطني» ليست سمة تكتسبها بتبديل المواقف تبعا للظروف¡ وليست رداء تلبسه وتخلعه بحسب أحوال الجو السياسي.
الوطنية في المملكة (أرض الرسالة) قدرها أن تكون أشرف من حسابات «التيارات» وأرقى من «شلل» المراهنات¡ وأعف من أن يُتكسّب باسمها في المزايدات. فإذا كنت تحب وطنك فلا ضير عليك أن تكون (وطنجيا) بلا مهادنة (مستشرفاً) تحاول تعزيز كل ما يمثل وطنك وقيم مجتمعك وأن تكون «حرّاً» في إعلان قناعاتك بكل شموخ. أما هؤلاء فستذروهم الرياح.. وستنساهم الأجيال.. هكذا يقول معلّمنا الأكبر التاريخ.
قال ومضى:
كتاب التاريخ –من بين كل الكتب- لا يفهمه المغفلون ولا يقرأه الخونة..




http://www.alriyadh.com/1687184]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]