إن التكيف يفضي إلى التعود¡ وما التعود إلا منفذ إلى الألفة¡ ففي الأحوال العادية وفي الأحوال الأفضل من العادية فإن تلك الجسور والممرات من الانغماس والتعود والائتلاف هادئة ومسالمة وقد تكون أحياناً مبهجة أو حتى مملة وتستحيل صوماً عن الدهشة¡ ولهذا زائرو الرحمن في الماضي توخوا الحذر في مغادرة مكة مسرعين بعد الانتهاء من تأدية الفريضة خوفاً أن يألفوها فتفقد سحرها وهيبتها.
تقول الأديبة رضوى عاشور: «إن التعود يلتهم الأشياء¡ يتكرر ما نراه فنستجيب له بشكل تلقائي¡ كأننا لا نراه.. لا تستوقفنا التفاصيل المعتادة كما استوقفتنا في المرة الأولى¡ نمضي وتمضي¡ فتمضي بنا الحياة كأنها لا شيء».
وماذا عن التكيف على الأحوال الغامقة والسير على ظهور جسورها المعتمة¡ والتي يعني أن تألفها هو أن تتورط بها¡ مثل الاكتئاب¡ الأوجاع¡ القلق¡ الإساءة والحياة العادية.
فقد تكون الألفة مثل متاهة من الأزهار السامة¡ أن تألف الألم لا يعني أنك تدري به رغم تألمك¡ وقد تتآمر عاطفتك المظللة مع اسوداد الأمر فتورطك مع الألفة وبها¡ متحايلة عليك فقط لتحميك من صدمة الوعي ومن حتمية المواجهة وقسوة الاعتياد¡ فإذا انسحب خيط من العاطفة دون شعورك تهتك النسيج بأكمله وهذا أعمق ما في رحلتك¡ رحلة الحياة.
فالاكتئاب والغرق في الهموم والتلذذ بجلد الذات والهروب إلى الخيال جميعها مشكلات يصاب بها الإنسان كردة فعل بعد مروره في شدة ما¡ إلا أنه مع الإهمال والأيام يبدأ بالانغماس معها¡ ويألف إحساسه بها فتصبح عبارة عن انفعالات يستخدمها كأسلوب في التعامل مع الحياة والمشكلات ليخفف من وطأة الأيام بشكل مؤقت وآنيّ والتي لن تكون أبداً حلاً إنما مسكنات ومشتتات.
إن الوعي هو أن تدرك أن هنالك مشكلة وأن تستطيع أن تحدد مكانها ومصدرها وحدتها¡ وكذلك أن تنهض لنجدة ذاتك من مأزقها..
فإذا أوى أحدكم إلى أمر فلينفضه عن الألفة ثلاثاً¡ وليُسَمّ بالله فإنه لا يدري ما قد تخلفه على حياته.




http://www.alriyadh.com/1705287]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]