المملكة اليوم بقيادة الملك سلمان وساعده الأيمن ولي العهد الأمير محمد تجدد شبابها¡ وتراجع الكثير من خططها ومشروعاتها وأنظمتهاº لتستعد لانطلاقتها الجديدة المبنية على الرؤية والبرامج والأهداف والمبادرات الكثيرة..
عمّ الجفاف وغار الماء واستبدلت النخيل لونها الأخضر الجميل بلون أصفر أقرب ما يكون إلى الموت¡ أتذكر ذلك الفلاح الذي حنى ظهره التعب¡ يخرج الماء القليل من البئر ويجمعه في بركة صغيرة ثم يعبئه في قربة ليحمله بعد ذلك على ظهره إلى كل نخلة على أمل ألا تموت قبل موسم المطر¡ كان من القلائل الذين تمسكوا بمزارعهم التي صرفوا عليها الكثير من شبابهم ومالهم¡ أما أكثر السكان فقد هجروا نخيلهم واتجهوا إلى عاصمة المملكة الرياض أو الشرقية أو الحجاز بحثاً عن العمل. الصحراء كريمة ومعطاءة في مواسم المطر¡ لكنها طاردة وشحيحة في سنين الجفاف.
أقفلت المدرسة المتوسطة في البلدة أبوابها لقلة عدد الطلبة¡ فماذا يعمل من تخرج من السنة السادسة الابتدائية وليس في البلدة متوسطة ولا معهد¿ لم ينسَ الوطن أبناءهº فقد أوجد نظاماً يقال له بدل الاغتراب¡ يصرف لكل طالب ليس في بلدته مدرسة متوسطة مبلغ مئة وخمسين ريالاً شهرياً¡ كرم ما بعده كرم واهتمام بالتعليم لا يوجد في أي بلد آخر غير هذا الوطن.
وفي مكان آخر وفي أقصى الجنوب¡ وفي جازان بالتحديد¡ أشار أحد مضيفينا إلى قمة جبل وقال: هناك افتتحت المدرسة¡ جلبوا لها معلمين من الأردن وفلسطين ومصر¡ أكثرهم يستخدم الدواب للوصول إلى المدرسة¡ ومن هذه المدرسة تخرج أطباء وطيارون ومهندسون وقضاة¡ ويضيف محدثي: ثبت الملك عبدالعزيز حكمه في هذه المناطق الصعبة بالعدل والتنمية والأمن.
هذه القصة وما قبلها تتكرر في كل مدينة وقرية في المملكة¡ تحكي بكل صدق وعفوية قصة بدايات التنمية في وطن بحجم قارة¡ وطن كانت تسكنه قبائل متناحرة وقرى بائسة يتقاسمها الفقر والمرض.
قصتي التي وثقتها في كتابي «عشت سعيداً» هي قصة كل شباب جيلي في تلك المرحلة¡ وبالنسبة لي كان الذهاب إلى المدرسة حافياً ثم امتلاك دراجة هوائية فقيادة طائرة تدريب متقدم¡ كل ذلك قبل معرفة قيادة السيارة أو القدرة على امتلاكها.
حياة كل شاب من أبناء جيلي تصلح لأن تكون رواية أو قصة لفيلم¡ وصفحة من ملحمة وطن وحّده بطل يقال له عبدالعزيز¡ كانت لديه أهم مقومات القيادة: الطموح والشجاعة والعدل والحكمة¡ استقطب حوله أفضل العقول من العالم العربي وخارجه¡ يطلب منهم المشورة والرأي ثم يتخذ القرار الذي يراه صائباً.
انتقلت من تلك البلدة التي أدمنت السهر على ضوء القمر إلى الرياض التي تضاء بالكهرباء وتضج بالحياة¡ ثم إلى المنطقة الشرقية حيث تضاء سماؤها بالنيران تشتعل من أفواه آبار النفط قبل أن يجد الغاز طريقه إلى مدن صناعية تمثلت في الجبيل وينبع في واحد من أعظم مشروعات التنمية على مستوى العالم.
في القواعد العسكرية وفي المدن الصناعية وفي الجامعات الكبيرة توافد أبناء الوطن من كل منطقة ليعلو البناء ويتشكل الوطن في أجمل صوره¡ وليمتزج السامري والعرضة مع الخطوة والمزمار في لوحة فنية متناسقة.
رأيت الوطن وشموخه ذات صباح حين أقلعت بالطائرة المقاتلة من الطائف إلى تبوك لتختصر تلك الرحلة جمال الوطن وتعدد مصادر قوته¡ فمن منارات المسجدين في مكة والمدينة إلى سلسلة جبال شاهقة نسير بمحاذاتها وخلفها شواطئ هي الأجمل على مستوى العالم¡ وعلى يميننا صحراء وواحات تزهو بنخيلها¡ وقبل ذلك استمتعت من علو شاهق بمرأى شواطئ المنطقة الشرقية وواحات الأحساء ورمال الربع الخالي الغالية¡ لوحات فنية لا أمل من استعادة تفاصيلها الجميلة الباقية في الذاكرة.
شيء واحد أتذكره في كل مرة أشاهد هذه الأبعاد الشاسعة¡ وهو كيف استطاع الملك عبدالعزيز ورجاله - رحمهم الله جميعاً - توحيد هذا الوطن بإمكانات بسيطة ووسائل نقل ومعدات قتال محدودة¡ لكنها الإرادة القوية وبعد النظر بعد توفيق الله سبحانه.
اليوم المملكة بقيادة الملك سلمان وساعده الأيمن ولي العهد الأمير محمد تجدد شبابها¡ وتراجع الكثير من خططها ومشروعاتها وأنظمتها لتستعد لانطلاقتها الجديدة المبنية على الرؤية والبرامج والأهداف والمبادرات الكثيرة التي ستنقل اقتصاد المملكة من اقتصاد ريعي يعتمد على مصدر واحد إلى تحول شامل يرسي أسس الاستدامة والتقدم المستمر¡ وجودة الحياة والعيش الكريم للمواطن والمقيم.
اليوم الوطني لهذا العام يأتي بطعم وشكل مختلف¡ قوامه العمل الجاد والحرب المستمرة على الفساد من أجل قوة الوطن ورفعته.
لواء طيار متقاعد




http://www.alriyadh.com/1705911]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]