اليوم الوطني هو احتفال بالتجدد والحيوية اللتين تمر بهما بلادنا¡ احتفال برؤية 2030 والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تجنيها بلادنا من هذه الرؤية¡ والتحولات الكبرى على مستوى المسؤولية الفردية التي بدأ يعيها المواطن..
صحيح أننا نحتفل هذا العام بمرور 88 عاماً على بناء الوحدة الوطنية¡ لكننا في حقيقة الأمر نحتفل أكثر بالتجدد والحيوية والدماء الشابة المتدفقة في عروق هذا الوطن العظيم. ربما من هم في جيلي أو من يكبرني قليلاً أو كثيراً عاشوا التحولات الكبيرة التي مرت بها بلادنا¡ فلم يكن من السهل تأسيس عقد يجمع أبناء الجزيرة العربية في كيان واحد¡ إنها رؤية الفتى الشاب الذي انطلق العام 1902 من الكويت ليصنع أكبر ملحمة تعيشها الجزيرة العربية المعاصرة. الأوطان تبنى على الرؤى وعلى الرجال والنساء الذي يعملون بكل أمانة وإخلاص لتحقيق هذه الرؤى. مجايلي وعوا على فترة السبعينات الميلادية عندما بدأ التخطيط البعيد المدى لبناء دولة حديثة متطورة¡ وكنت في تلك الفترة أسكن الهفوف القديمة¡ وبين تلك الفترة التي عشتها والإمكانات المتواضعة التي كانت عليها المدن السعودية وبين الوقت الحاضر مسافة ضوئية لا يمكن تفسيرها إلا بكوننا نعيش في وطن متجدد وحيوي ولا يقف طموحه عند حدّ.
من كان ينتقد بلادنا ربما لا يعلم ما حدث فعلاً للإنسان هنا¡ في قلب الجزيرة¡ فالرؤية البعيدة التي وطّن عبرها الملك المؤسس البادية والخطط الهادئة الرصينة التي حاول أن ينقل بها المجتمع المتجذر في بداوته إلى مجتمع متحضر يمكنه التعامل مع لغة العصر والتحولات الكبرى التي كان يمر بها العالم كانت نقلات عميقة شكلت البدايات وجعلت مجتمعنا يتطور لكن دون أن يخسر قيمه المؤسسة الأصيلة. بدأ الملك عبدالعزيز¡ أثناء تحول العالم خلال الحرب العالمية الثانية وحتى قبلها وبعدها¡ يجهز دولته الفتية كي تكون أحد صانعي هذا العالم الجديد¡ لذلك كانت المملكة من الدول التي أسست الأمم المتحدة في الأربعينات من القرن الماضي وللجامعة العربية ولمنظمة اليونسكو وغيرها من منظمات وهيئات دولية. التحدي بالنسبة للمؤسس كان في التحول الاجتماعي الذي يجب أن يؤمن به مجتمعه كي يبني دولة معاصرة¡ وكان يعلم أن هذا التحول يحتاج إلى حكمة وأناة¡ وهذا ما عمل عليه رحمه الله.
التجدد الأول الذي خاضته المملكة كان في الثلاثينات والأربعينات¡ وكانت هذه الفترة حرجة على مستوى السياسة العالمية¡ لكن المملكة استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً بين دول العالم الحديث¡ وأن تعمل على التحول الداخلي بما يتناسب مع طبيعة وثقافة المجتمع السعودي الوليد الذي بدأ يجني ثمار الوحدة والاستقرار. في الخمسينات والستينات كانت عجلة التجدد أسرع¡ إنها فترة ركزت على البناء المؤسسي على مستوى التعليم والصحة والتدريب فأُنشئت أول جامعة العام 1957م¡ وتأسس مكتب التخطيط بالتعاون مع الأمم المتحدة العام 1958¡ وافتتحت معاهد التدريب¡ وتم التركيز على البنى التحتية المبكرة في كل مناطق المملكة. كان تحولاً من النوع الثقيلº لأنه تحول تخلى إلى حد كبير عن الحذر الذي صاحب التحول الأول في بداية التأسيس¡ فالمجتمع الآن أصبح أكثر جاهزية.
وكما ذكرت سابقاً¡ بناء الأوطان يحتاج دائماً إلى التجديد والحيوية¡ لذلك لا يمكن أن ننكر أنه منذ العام 1970 عندما بدأت خطط التنمية في المملكة والنقلات التنموية الكبرى التي مررنا بها منذ ذلك الوقت¡ والتي صنعت شخصية المملكة والمواطن السعودي¡ كانت جميعها ضمن سياق التحول الكبير لبناء وطن عظيم يزداد تجدداً وحيوية مع مرور الزمن. بالتأكيد كانت فترة تجارب وتعلم¡ وقد تكون مر بها أخطاء لكنها في نهاية الأمر صنعت مجتمعاً معاصراً يعي قيمة بلاده¡ ويعمل على حمايته وتنميته بكل ما أوتي من قوة¡ وهذا في اعتقادي ما يجعل المحطات التنموية التي مر بها وطننا ذات معنى خاصº لأنها جاءت ضمن سياق تجديدي ساهم في دفع حياة جديدة للوطن. البعض كان يرى بلادنا بطيئة¡ وأذكر أن أحد الكتاب الأميركيين قال: إن «الأسرع يأكل الأبطأ»¡ وكان يشير إلى هدوء المملكة مقارنة بتسارع القرارات في كثير من الدول المجاورة¡ لكنه لم يعلم أن نفس المملكة الطويل وخبرتها الطويلة بالسياسة الدولية ومعرفتها الدقيقة بمكون مجتمعها هي التي تجعلها هادئة في كل قراراتها¡ لكن عندما أتى الوقت المناسب انطلقت مثل السهم في التحول والتغيير.
اليوم الوطني هو احتفال بالتجدد والحيوية اللتين تمر بهما بلادنا¡ احتفال برؤية 2030 والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تجنيها بلادنا من هذه الرؤية والتحولات الكبرى على مستوى المسؤولية الفردية التي بدأ يعيها المواطن. أستطيع أن أقول: إن المملكة تقدم درساً في التحول الاجتماعي الهادئ الذي لا يحدث صداماً ولا يولد رفضاً¡ هذا الدرس لم تنتهِ فصوله الأخيرة بل هو مقبل على فصول كثيرة سيعيشها المجتمع السعودي والعالم في السنوات المقبلة.




http://www.alriyadh.com/1705915]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]