لم يعد الازدهار الاقتصادي كافيًا للحكم على رقي المجتمع¡ بل لا بدّ أن تقود ذلك عقليات قادرة على توظيف العامل الاقتصادي لترقية الإنسان وبنائه بناءً حقيقياً ومنحه حقوقًا سلبت منه بقوة الإيديولوجيا..
ذكرى يومنا الوطني هذا العام ليست ككل ذكرىº إذ تشهد بلادنا كثيراً من التحولات على عدة أصعدة¡ يأتي اليوم الوطني تتويجًا لانتصار الوطن على أعدائه الذين أُودعوا حيث يجب أن يكونوا حماية للوطن من شرورهم¡ تماماً كالمريض بمرض معدٍ إذ يُحجز في محجر صحي حماية للأصحاء منه.
فشكراً لكل من ساهم في إخراج بلادنا من عنق الزجاجة الصحوي¡ شكراً لكل مخلص كشف تآمر المتربصين بالوطن من صحونج وإخونج وحقوقيات (ذلك المعرّف الذي امتطته كثيرات إن بخبث وإن بجهل)¡ لقد اتضح أن الفئات الثلاث ليست سوى حفنة متآمرين على الوطن كله¡ وكانوا يرفعون شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب¡ ففئة نادت بالعودة إلى ثقافة الكهوف بفرض رؤاها المتصحرة¡ وفئة نادت بالأممية الإسلامية في بلاد الحرمين الشريفين كما يطيب لهم أن يسموا بلادنا¡ وثالثة الأثافي اتخذت حقوق المرأة شعارًا أخفت وراءه تآمرًا مشينًا¡ لكن بفضل الله ثم بفضل العيون الساهرة على أمن الوطن كُشفت مآرب أولئك الذين تبين أن ما كانوا يظهرونه قليلاً من كثير تخفيه صدورهم ضد بلادناº أمناً ووحدةً واستقرارًا¡ إذ باعوا أنفسهم لشياطين الإنس في دويلة قطرائيل.
إحدى المتحمسات أخذتها الحمية الجاهلية¡ فوصفت ما كتبته عن أولئك المتآمرات بكلمة معيبة تكشف عن جهلها بواقع تلك الحفنة المتآمرة¡ فإن كانت لا تدري فتلك مصيبة وإن كانت تدري فالمصيبة أعظم!
أكد كثير من الفلاسفة والمفكرين أن التحولات السياسية والثقافية مسؤولة بالدرجة الأولى عن تحديد هُوية المجتمعات¡ بما هي سلسلة متشابكة من الأطر التي ترسم ملامحها وتميزها عن مجتمعاتٍ أخرى¡ فلم يعد الازدهار الاقتصادي كافيًا للحكم على رقي المجتمع¡ بل لا بدّ أن تقود ذلك عقليات قادرة على توظيف العامل الاقتصادي لترقية الإنسان وبنائه بناءً حقيقياً ومنحه حقوقًا سلبت منه بقوة الإيديولوجيا¡ لقد جاء اليوم الذي ظننا ذات جحيم صحوجي إخونجي أنه لن يأتي أبداً¡ فلقد أصبحنا بفضل السياسات الجديدة التي انتهجتها الدولة¡ مجتمعًا طبيعيًا بعد تكسير الأغلال التي كُبل بها¡ وأودع أصحاب تلك الأغلال المكان الذي يليق بهم. لن ينسى المواطنون تلك الحملات الصاخبة التي كان يمارسها عتاة الصحونج والإخوان البائسون ضد أي جديد تسنه الدولة¡ كحملتهم على توسعة المسعى¡ وحملتهم على افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ناهيكم عن مناهضة برنامج ابتعاث الطلاب والطالبات¡ الذي ألصقوا به السبع الموبقات¡ وغير ذلك كثير!
يأتي اليوم الوطني هذا العام والمرأة تستمتع بحقوق كثيرة حجبها عنها المتشددون الذين نذروا أنفسهم أوصياء عليها¡ فحبسوها في البعد الجنسي الأنثوي¡ وتمكنوا من محاصرتها وضرب الخناق عليها¡ بتغييبها عن البعد الاجتماعي بصفة تتحدى أغلب النظريات الأنثروبولوجية في أن الحضور الجنسي يحتم الحضور الاجتماعي¡ وفي أنه لا تضارب بين هذين الوجهين اللذين يمثلان الواقع الإنساني منذ أقدم العصور! وفي هذا الموضوع نجد كثيراً من القضايا التي جعلوا منها قيداً قيّدت به المرأة باسم الدين والدين منها براءº حتى أن بعض المسؤولين عن أماكن تعليم المرأة وتوظيفها وتسوقها وترفيهها¡ يتعاملون مع تلك الأماكن وكأنها محمية من المحميات الطبيعية التي لها شرائعها وقوانينها الخاصة بمعزل عن الشرائع والقوانين العامة. يأتي اليوم الوطني هذا العام والمرأة تقود سيارتها بنفسها¡ بعد أن صادر المتشددون هذا الحق سنوات طوال¡ فجعلوه مخالفة دينية صريحة¡ لكنهم عجزوا عن إيجاد دليل واحد من القرآن أو السنة يؤيد زعمهم¡ كما حظيت المرأة بفرص عمل جديدة ومختلفة¡ بعد أن حصروا توظيفها في مدارس البنات.
يأتي اليوم الوطني وقبله بأيام¡ حدث انفراج في موضوع عباءة الرأس التي احتلت مركز الصدارة في قوائم السلوك¡ وألزمت بها الطالبات والمعلمات على السواءº لأنها عباءة نساء الجنة حسب الخطاب المتشدد الذي عملت على نشره في مدارس البنات وكلياتهن نسوة الصحوة¡ فأصدرت وزارة التعليم تعميماً (انتشر في الواتساب) إلى مديرات المدارس بحرية اختيار نوع العباءة للمعلمات والطالبات إذا تحققت الحشمة¡ هذا الانفتاح نزل على المتشددات من مديرات المدارس نزول الصاعقة¡ فقد كنّ يبالغن في التشديد على ذلك النمط من العباءات¡ ناهيكم عن إلزام الصغيرات بتغطية الوجه!.
لقد وقف ذوو التوجهات الإسلاموية الحركية على رأس القوى المناهضة لأي تجديد يتعلق بالمرأة¡ والمجتمع بأسرهº فكرسوا ثقافة التقليد وفكر التخدير واتخذوهما سبيلاً لاستهواء الغوغاء¡ فكانت محاولات التحرر من سطوتهم¡ تقابل بعاصفة من الهجوم الشرس الذي لم يسلم منه مسؤول أو كاتب أو مثقف¡ فقد استباحوا الجميعº حدّ التكفير¡ والتجمهر أمام مكاتب المسؤولين¡ ودفع الغوغاء إلى اقتحام الفعاليات الثقافية¡ والاعتداء بالأيدي وتكسير الآلات الموسيقية ومكبرات الصوت في غاية الوحشية¡ بلا أدنى مراعاة لهيبة الدولة وحقوق المواطنين.
يأتي اليوم الوطني هذا العام والمهرجانات والفعاليات الفنية والغنائية تصدح في أرجاء الوطن¡ فمن حق المواطنين أن يبتهجوا¡ ومن حق الوطن عليهم أن يحتفلوا به بعد أن غُيب عن عقولهم وإدراكهم ومشاعرهم زمناً طويلاً¡ عندما منع بعض المعلمين طلابهم من الوقوف في طابور الصباح لأداء النشيد الوطني بحجة أنه بدعة¡ وجرأة بعض المتشددين على عدم الوقوف في الحفلات الرسمية للنشيد الوطني في غاية الاستهتار والتحدي¡ فاقتدى بهم الصغار الذين لقنوهم أن الانتماء لأمة الإسلام مقدم على الانتماء للوطن..




http://www.alriyadh.com/1706282]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]