تحدثت في المقالة السابقة عن تحدي الجامعات الناشئة¡ وذكرت أن الحل هو اعتماد استراتيجية خاصة لكل جامعة تميزها عن بقية الجامعات. فمن الحلول الاستراتيجية المعروفة هو التركيز¡ أو بمعنى آخر التخصص. والتركيز يعود إلى أصل من أصول الاستراتيجية وهو تقديم التنازلات. فمثلاً¡ يجد عدد من المنتجين أمام خيار الرفاهية والسعر¡ إما التنازل عن الرفاهية لتحقيق سعر منخفض¡ أو التنازل عن السعر المنخفض لتحقيق الرفاهية. ونتيجة لهذه التنازلات تتفاوت المنتجات استناداً إلى الخيارات الاستراتيجية التي يعتمدها المُنتج. إذا اتبعنا نموذج التنازلات¡ فما نوع الخيارات الاستراتيجية التي أمام الجامعات¿
لتطبيق نموذج مبسط للتنازلات الاستراتيجية في حالة الجامعات علينا أن نعتمد ثلاثة عوامل وهي: الكلفة¡ الجودة¡ الحجم. فأمام الجامعة أن تنظر إلى حجم الاستثمار الذي تنوي تخصيصه لبناء الجامعة باعتبار الجودة والحجم. فإذا كان حجم الاستثمار ثابتاً يمكن أن نصل إلى حجم الجامعة ومستوى الجودة الذي يمكن تحقيقه¡ أي ستكون الخيارات مبنية على عامل الجودة والحجم كمتغيرين يحددان الخيارات الاستراتيجية. فكما في مثال الرفاهية والسعر¡ فإن أمام الجامعة خيارات مبسطة¡ فإما أن تتوسع الجامعة في حجمها وتخدم شريحة كبيرة من المجتمع وإما أن تكون جامعة صغيرة متخصصة في مجالات محدودة ولا تقبل سوى عدد متوسط من الطلاب والأكاديميين. في الخيار الأول¡ سيكون توسع الجامعة على حساب الجودة حيث تنخفض حصة كل مجال أكاديمي من الميزانية¡ وفي الخيار الآخر¡ فإن خفض حجم الجامعة سيسمح بإنفاق أكبر على التخصصات التي تعتمدها الجامعة مما سيرفع من جودتها. اعتماد الخيار الأول يعني أن الجامعة ترى أن خدمة شريحة كبيرة من المجتمع بحد أدنى من الجودة مقدم على تحقيق التميز الأكاديمي. واعتماد الخيار الآخر يعني أن التميز الأكاديمي مقدم على خدمة شريحة أكبر من المجتمع.
من الخيارات الاستراتيجية المطروحة يتضح أن هوية الجامعة تؤدي دوراً رئيساً في الاختيار. هل الجامعة أنشئت لخدمة المجتمع أولاً ثم تحقيق التميز ثانياً¡ أم أن تحقيق التميز يأتي أولاً ومن خلاله يخدم المجتمع¿ هل تتحقق خدمة المجتمع بنشر التعليم أم ببناء النخبة¿ بذلك تتعدد الإجابات حول أسئلة الهوية¡ ومن منطلق القناعات يصل متخذ القرار إلى معادلة تحقق استراتيجية الجامعة. ففي اتخاذ القرار الاستراتيجي¡ لابد من اعتبار هوية المؤسسة وما يمكن تحقيقه ضمن الإمكانات المتاحة. لكن ما يحدث في الواقع هو غياب الأسئلة حول هوية المؤسسة¡ أو عدم وضوح الإجابات حولها¡ مما يؤدي إلى صعوبة اتخاذ قرار حول الخيارات المطروحة. من أجل ذلك نجد أن المؤسسات التي لا تبني استراتيجيتها على خيارات واضحة¡ تفتقد قدرتها على التركيز والاستثمار الأمثل لمواردها لتحقيق أهدافها.




http://www.alriyadh.com/1706284]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]