سبق وكتبت مقالاً أشرت فيه إلى وجود فرق كبير بين العلم والتجربة.. أشرت فيه إلى أن قراءة كتب الثراء لا تجعلك ثرياً¡ وقراءة كتب التحفيز لا تجعلك عصامياً¡ وقراءة كتب الرشاقة لا تجعلك رياضياً¡ وقراءة كتب تطوير الذات لا تجعلك مثالياً¡ وقراءة كتب اللغات الأجنبية لا تجعلك فصيحاً ومتحدثاً ألمعـياً.
السبب ببساطة هو وجود فرق كبير بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية¡ العلم بالشيء لا يعني تجربته أو امتلاكنا خبرة فيه.. المعلومات النظرية مجرد تمهيد ومدخل للممارسة الفعلية والخبرة العملية.
لهذا السبب تلاحظ ابتعاد حملة الدكتوراه والتخصصات العميقة عن الواقع الحقيقي حولهم.. تلاحظ أنه كلما ارتفع الإنسان في سلم التخصص كلما صعب عليه إدارة مشروع عملي على أرض الواقع.
والسببº مرة أخرى¡ أن التنظير غير الممارسة¡ والعـلم غير التجربة وبناء الخبرة.. قد يكون الأطباء هم الاستثناء الوحيد كون طبيعة عملهم تتضمن ممارسة عملية ومعاينة حقيقية تسير بالتوازي من دراساتهم النظرية.
ليس أدل على وجود فرق كبير بين «العلم بالشيء» والقدرة على ممارسة الشيء ذاته من سيرة الاقتصادي والأكاديمي الأميركي نابليون هيـل.. فهو أشهر من كتب عن الأثرياء والناجحين وكيف كوّنوا ثرواتهم من الصفر.. عاش في مطلع القرن العشرين ويعد أول من كتب وحلل هذا الجانب بطريقة أكاديمية رائعة.. طلب منه كارنيجي «وكان حينها من أكثر الرجال ثراء في أميركا» دراسة سير الأثرياء والصناعيين في عصره للبحث في أسباب نجاحهم.. أعجب هيل بالفكرة ونظر إليها كإنجاز أكاديمي جديد¡ في حين كان الهدف الحقيقي لكارنيجي معرفة الأسرار الشخصية والمالية لمنافسيه.. وهكذا التقى هيل بأكثر من مئة بليونير صعدوا من الصفر مثل فورد وأديسون ومورجان وبيل وروكفلر «وهم رجال صناعيون قامت أميركا على أكتافهم وفاقت ثرواتهم ثروات أغنياء اليوم بأسعار ذلك الوقت».. وبعد عشرين عاماً من العمل والتوثيق نشر كتابه الفريد «قوانين النجاح» العام 1928 في عدة مجلدات ضخمة.
ولكن¡ رغم أهمية هذا الكتاب.. ورغم أنه شكل الأساس الذي تفرعت منه كل كتب النجاح التالية¡ إلا أن نابليون هيل «وهذا ما يهمنا فعلاً» مات كأستاذ جامعي فقير!!
.. لماذا إذاً لم يصبح ثرياً¿
فـبعد عشرين عاماً من دراسة أسرار الأثرياء يفترض أن يكون الأدرى بكيفية صنع الثروة وجمع المال.. غير أن وفاته براتب تقاعدي متواضع يثبت أن تكوين الثروة لا يتعلق فقط «بالعلم والمعرفة» بل بالممارسة العملية¡ والاحتكاك المباشر¡ والتعلم من التجربة¡ ناهيك عن مهارة خلق الظروف المناسبة¡ وموهبة الإحساس بمتطلبات السوق وميول المستهلكين.
أعـرف هذا لأنني شخصياً قرأت كتباً كثيرة عن صنع الثروة¡ ولكنني مازلت مثل معظم الخلق أنتظر نزول الراتب بنهاية الشهر..




http://www.alriyadh.com/1706951]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]