هناك فرق منطقي علينا إدراكه بين فكرة توافر الحقائق وبين الادعاءات¡ فلو كانت القضية بهذا الشكل الذي يروج له الآخرون لما تطورت البيانات السعودية بهذا الشكل المهني لتصل في النهاية إلى بيان واضح دقيق..
تسييس قضية وفاة المواطن السعودي جمال خاشقجي- رحمه الله- سؤال مهم لا بد من مناقشته¡ وفهم أبعاده بطريقة تكشف الأهداف الخلفية التي تقف خلف محاولة جر القضية من بُعدها الجنائي إلى بُعد سياسي¡ وهذا يطرح أسئلة مهمة حول: من المستفيد¿ ولماذا هناك من يستميت بل يحاول الانتحار لجر هذه القضية في الاتجاه الخاطئ¿ هناك من يحاول بكل قواه سواء كان إعلاميا أو دبلوماسيا أن يجعل من القضية فكرة سياسية بعيدة كل البعد عن شقها الجنائي¡ وتسييس القضية في مفهومه البسيط هو محاولة إضفاء طابع سياسي على مسألة غير سياسية¡ ما يعني أن تتشعب المساهمات في مناقشتها بحسب الأهداف السياسية والمواقف والانتماء السياسي.
هنا يمكننا فهم الأبعاد الإعلامية والسياسية التي جرت حول قضية المواطن السعودي جمال خاشقجي¡ وسأبدأ من البيان الأخير الذي صدر من النيابة العامة السعودية¡ وأعطى تفاصيل جديدة ومهمة حول الجريمة¡ وهذا البيان الأخير¡ الذي نشر في الخامس عشر من نوفمبر¡ هو في حقيقته يعبر عن تطور طبيعي في فهم أبعاد المشكلة¡ مع تطور التحقيقات ووصولها إلى مراحل متقدمة.
في المقابل¡ هناك أسئلة تأتي من أولئك الذين لا يرغبون بشكل دقيق أن تتم معرفة الأبعاد الحقيقية للجريمة¡ فمثلا الراغبون في تسييس القضية وحرف اتجاهها نحو شخصيات محددة في الجانب السعودي¡ سيرفعون سؤالهم الطبيعي من حيث مدى كون هذا البيان مقنعا لهم¡ إضافة إلى سؤالهم الآخر عن مدى قدرتهم على قبول البيان السعودي.. في الحقيقية¡ إن البيان السعودي لم ولن ينظر إلى تلك الأسئلة¡ فهي طبيعيةº كونها لا تأتي كما يرغب فيها الآخرون¡ والتشكيك في كل قضية ورواية أمر طبيعي ومفهوم¡ لذلك أعتقد أن البيان السعودي حول قضية خاشقجي قد تجاوز المرحلة التشكيكية التي يحاول أن يطرحها الإعلام الثائر مع هذه القضية أو حتى السياسيون من دول وشخصيات.
لقد كنا نلحظ بدقة أنه في مقابل كل فرد أو مؤسسة تحاول تسييس القضية عبر الحديث عن تفاصيلها¡ يوجد أفراد ومؤسسات إعلامية وسياسية دولية وإقليمية تؤمن بأن البيانات السعودية ظلت منذ اللحظة الأولى في تطور سريع ومتنامٍ في كيفية كشفها الحقائق وفق توافرها. بيانات الادعاء العام في السعودية تحدثت في أكثر من اتجاه¡ وكانت كلما حصلت على حقيقة ذكرتها وصرحت بها¡ بغض النظر عن محاولات البعض تفسير ذلك عكسيا¡ وأن هناك تناقضا في تلك البيانات¡ ولكن الأمر الطبيعي لمن يبحث عن حقيقة مهمة أن الحقائق تتكشف تدريجيا مع تطور التحقيقات¡ والحصول على مزيد من الأدلة.
التحقيقات السعودية وضعت النقاط على الحروف¡ وأثبتت أن هناك من تصرف من تلقاء نفسهº لذلك بذلت الجهات المعنية جهودا جبارة للوصول إلى فهم دقيق لتفاصيل الواقعة¡ خاصة في السياق الجنائي¡ الذي تتكشف أبعاد جديدة فيه مع كل موجة تحقيق تجريها الجهات المعنية¡ وترصده بيانات النيابة العامة¡ وهذا يعطينا التأكيد أن هناك فرقا منطقيا علينا إدراكه بين فكرة توافر الحقائق وبين الادعاءات والحديث عن تناقضات تحملها تلك البيانات¡ لو كانت القضية بهذا الشكل الذي يروج له الآخرون لما تطورت البيانات السعودية بهذا الشكل المهني لتصل في النهاية إلى بيان واضح دقيق.
هذا في الجانبين القانوني والجنائي¡ أما الجانب السياسي فقد شهدنا دخولا مفاجئا لممارسات سياسية حاولت تسييس القضية¡ مع أن الجميع يدرك أن الجريمة جنائية¡ وحدثت في إطار خطأ مهني¡ بل من السهل التوقع أن تطورات هذه الجريمة في شقها الجنائي يمكن أن تحدث في مثل هذه المواقف¡ وهذا ليس تبريرا لبشاعة الجريمة المقيتة التي تم الإقدام عليها¡ ولكنه تأكيد أن محاولة رسم سيناريو محدد لهذه الجريمة من قبل بعض الأفراد أو المؤسسات أو الدول - أمر مرفوض.
الفهم الدقيق لما حدث في هذه القضية مسألة معقدة¡ خاصة من جانب أولئك الذي يحاولون تدوير القضية في عدة مسارات¡ وربطها بأشخاص أو بقضايا إقليمة أو مواقف سياسية قائمة¡ والسعودية - كما تقول بياناتها ومسارها السياسي - تدرك بقوة الكيفية التي تتعامل بها مع هذه القضية¡ والنتيجة النهائية المحتملة أن تسييس قضية جنائية لن يتطور وفقا لأهدف شخصية¡ ومهما كانت أبعاد هذه الجريمة وتطوراتها المستقبلية¡ فإن بيانات السعودية في هذه الجريمة وتصريحاتها السياسية لن تتوقف عن قول الحقيقة وليس ابتزاز الحقيقة.




http://www.alriyadh.com/1718928]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]