ذكر الراوي المعروف محمد الشرهان في حلقة جميلة من حلقات برنامجه (مع الشرهان)¡ أنّه أُعجِب بأبياتٍ طريفة رُويت له¡ تلك الأبيات القديمة نظمها أحد الشعراء الساخرين يخاطب فيها فلاحاً كريماً كان يكافئ الشعراء على قصائدهم وهو لا يفهم معانيها فهماً صحيحاً¡ لكنه يتظاهر بالفهم¡ ولا يبخل بمنح الشاعر من محصول نخله فور انتهائه من إلقاء قصيدته¡ فاستغل الشاعر الظريف هذا الأمر ونظم فيه أبياتاً طريفة يقول في بعضها:
يا مرحبا عِدّة سنون النعامه
واعداد ريش الضب رفض الجناحين
لعل حالك مثل عود الثمامه
أو عود ضوٍّ نابتٍ فيه راسين
والله يوفقك السعد والسلامه
سلامة اللي مطلقٍ فيه رمحين
وأضاف الشرهان في تلك الحلقة أنه طلب من عدد من الشعراء¡ بدافع الإعجاب بهذه الأبيات¡ التفاعل معها والإضافة على أبيات الترحيب فيها¡ وكان من أفضل من شارك في إكمالها الشاعر محمد العجيمي الذي قال أبياتاً منها:
واعداد ما "ذيب" الدهن من هلامه
وأصبح ودكها جامدٍ فالمواعين
واعداد ما رَوي البزر من ابهامه
واعداد ما تنظر إلى عميت العين
وهذا النموذج من الشعر يوضح لنا صورة من صور التفاعل الرائع من الشعراء أنفسهم مع إنتاج زملائهم المبدعين¡ وهو تفاعل يأخذ صوراً متنوعة¡ لكنه أصبح قليلاً أو شبه معدوم في هذه المرحلة التي قلما تقابل فيها مجاراةً لقصيدة جيدة أو مساجلة بين شاعرين¡ خلافاً لإنتاج الشعراء في مراحل سابقة¡ إذ لا يكاد ديوان شاعر من الشعراء القدامى يخلو من قصائد يمكن وصفها بالتفاعلية أو المشتركة¡ ومنها - على سبيل المثال - الأبيات الثلاثة الرائعة التي ارتجلها الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري عام 1386هـ في مجلس الشاعر زبن بن عمير وقال في مستهلها:
نومٍ بعد طول العنا به لذاذه
والشرب من عقب الظما ينعش الروح
ثم طلب من الشعراء الكبار الحاضرين ومنهم ابن عمير وعبدالعزيز الفايز وناصر الفايز النسج على منوالها ارتجالاً¡ وقد أبدع كل منهم أبياتاً لا تقل في جمالها عن أبيات السديري¡ وتدل على سرعة البديهة وقوة الموهبة الشعرية لدى أولئك الشعراء. في هذه الأيام يشتكي كثير من الشعراء من ضعف تفاعل المتلقين مع إنتاجهم¡ ويتعجّل بعضهم باتهام الناس بتراجع الذائقة أو فسادها¡ مع أن تفاعلهم هم مع القضايا المحيطة بهم ومع إنتاج زملائهم أصبح تفاعلاً ضعيفاً مقارنة بأجيال سابقة من الشعراء¡ ولا شك أن لهذا الضعف أثرا واضحا في تراجع مستوى إنتاج كثيرٍ من الشعراء وفي مستوى التفاعل معه من المتلقين.




http://www.alriyadh.com/1729925]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]