عندما تسمع كلمة شك يتبادر إلى ذهنك الجانب السلبي منها¡ (أشك فيه) (هذا شكاك) (لا تشك في الرجال).. إلخ. لا أظن أن أحداً ينصح آخر بتوخي الحذر سيستخدم كلمة شك¡ ستسمع من يقول: (لا تثق في كل ما تسمع..) عبارة إيجابية تحرضك على الشك دون أن تضع تلك الكلمة القوية على الواجهة¡ لكن الأمر يتغير عندما ترتقي طبيعة النقاش ويصبح أقرب إلى الفلسفة.
ثمة شك يتصل بالحذر في الحياة اليومية وآخر يتصل بالمعرفة الكلية¡ فالأول نصيحة والآخر يقترب من النظر الفلسفي للأمور.
تذكر دائماً أن ليس كل ما تراه هو الحقيقة بالضرورة¡ ثمة اختبارات كثيرة لنتحقق من ذلك¡ فمثلاً عندما تنظر إلى الأفق البعيد سترى أن السماء تلامس الصحراء¡ بيد أن الواقع غير ما تراه. عاش البشر مئات الآلاف من السنين على هذا الوهم كحقيقة لا تقبل الشك¡ عندما يتدفق الماء من الصنبور في المغسلة ستراه دائماً يدور خلاف عقارب الساعة¡ هذه الحقيقة سوف تنقلب عندما تكون في الجانب الثاني من خط الاستواء.
من الصعب أن تتوفر حقيقة دون أن تكون في حاجة للاختبار للتأكد من صدقيتها¡ هذا لا يعني أننا في حاجة إلى مختبرات قبل أن نتبنى ما نراه¡ علينا أن نأخذ الأشياء كما هي ولكن علينا أن نترك مسافة صغيرة للمراجعة وربما لتغيير الموقف.
إذا كان هذا حالنا مع الحقائق المادية الملموسة فحالنا مع الحقائق المعنوية سيكون أكثر صعوبة وأكثر عرضة للخطأ¡ عندما تسمع خبراً ستصدقه أو تكذبه¡ عملية التصديق والتكذيب لا تخضع للحقائق المحيطة ولا حتى للعقل في كثير من الحالات¡ في بعض الأحيان تخضع لعوامل غير موضوعية¡ من أهمها الرغبة في التصديق¡ اليائس والمهزوم والمريض يأخذ الخبر من زاوية تخصه¡ سترى أن كثيراً من هؤلاء الذين ألم بهم مرض خطير من السهل أن يقعوا فريسة للشعوذة¡ وستجد أن تاريخ الأمة المهزومة مليء بالبطولات المبالغة فيها والزائفة التي لا يصدقها عقل.
مهما بلغت ثقتك في الخبر الذي تسمعه ضع بينك وبينه مسافة صغيرة من الشك احتراماً لتقلبات الزمن¡ كلما امتد بك العمر أدركت أن كثيراً من اليقينيات تتهاوى أو تنطفئ أو يتم تعديلها¡**تذكر أن اليقين الوحيد المتفق عليه بين البشر (جميعاً) في هذه الحياة هو الموت فقط.




http://www.alriyadh.com/1735846]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]