قبل أربعين عاماً كان دونالد إينبرج شاباً يدرس الكيمياء والأحياء الحيوية الجزئية في جامعة ييل العريقة¡ لاحظ مجموعة من الطلاب يتجولون وهم يحملون هياكل تركيبية مثيرة للاهتمام¡ ليقوده فضوله عما يحملونه إلى الالتزام بحضور مقرر فني: "التصميم ثلاثي الأبعاد"!
عندما قابل أستاذ المقرر أشار إلى أن تلك الهياكل تذكره بشيء ما¡ وهو أنه على المستوى الجزئي¡ فإن الشكل الهيكلي هو ما يحدد وظيفة الجزئي. في المحاضرة الأولى¡ أحضر الأستاذ مجموعة من الأوتاد الخشبية وخيوط صيد السمك¡ وطلب من طلابه أن يصمموا بها هيكلاً مفرغاً ثلاثي الأبعاد¡ شريطة ألا تتلامس الأوتاد¡ وأن يمكن شده وضغطه ثم عودته إلى سابق عهده مباشرة وتلقائيا! أسقط في يد الطلاب¡ حتى تذكر أحدهم أعمال النحات النيويوركي كينيث سنيلسون¡ التي تتألف أعماله من مكونات مرنة وثابتة¡ معتمدة على فكرته ثباتية الأجسام بالشد والطفو¡ وهكذا انطلقوا لتصميم هياكل مختلفة يتغير شكلها بالشد والضغط¡ وتعود إلى عهدها السابق تلقائياً.
في اليوم التالي¡ عاد دونالد إلى قسم الأحياءº حيث كانوا يعملون على مركب يؤثر في الشكل الفراغي¡ ما جعله يشير إلى أن ذلك هو تماماً ما يحدث في تلك الهياكل التي شاهدها في مقرر الفنون¡ هذه الفكرة أضحت هاجس تطوره العلمي¡ وأساس بحوثه حتى تخرجه بالدكتوراه¡ وتركيز أبحاثه على تطوير دراسات الأدوية المبتكرة¡ وبالذات تقليص عدد حيوانات التجارب¡ الذي يناهر مئة مليون حيوان تستخدم كل عام لتجارب الأدوية في مراحلها الأولى¡ كان يتساءل دوماً: ماذا لو استطعنا الاستغناء عن معظم تلك الحيوانات¡ والاعتماد على رقائق إلكترونية حيوية مشابهة لخلايا جسم الإنسان¿ هذا ما سخر له معرفته العلمية¡ والإلهام الذي استقاه من مقرر الفن¡ الذي حضره قبل عقود.
في معهده¡ استطاع ابتكار رقاقة إلكترنية لخلية رئوية¡ رقاقة تحتوي في المنتصف على قناة متناهية الصغر مملوءة بالسوائل¡ وبالطبع فإن الحجم متناهي الصغر للسوائل يجعلها تتفاعل بطريقة مختلفة¡ فهي لا تمتزج معا بسبب وجود قنوات شعرية¡ لكنها لا تزال تتفاعل معا¡ فيتم ملء جزء بالهواء¡ والآخر بسائل محفز للدمº حيث توجد في الجزء الدموي خلايا دم بيضاء حيّة¡ وفي الجزء الهوائي خلايا رئوية حية وبكتيريا¡ والهواء والدم يمران خلال القناة¡ ما يُحدِث توسعاً ثم شداً للأجزاء¡ ما يحفز عملية التنفس¡ تقريباً كما تفعل الرئة الحيّة!
هذه القوى في الشد والجذب لفتت نظره¡ وطورت من رقائقه الإلكترونية¡ التي قد تساعدنا على الاستغناء عن ملايين حيوانات التجارب¡ وعلى رفع كفاءة الدراسات الدوائية¡ واختصار زمن وصول الأدوية الجديدة إلى المرضىº إذ تعمل الفرق البحثية على تطوير الرقائق لتشمل أعضاء بشرية أخرى.
بالتأكيد شكراً لمقرر تلك المادة الفنية أن ساعدت على حل معضلة صيدلانية.




http://www.alriyadh.com/1746520]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]