العالم بحاجة إلى السلام والمحبة ومحاربة كل فكر متطرف يدعو للكراهية والبغضاء مهما كان مصدره أو حججه¡ وقد ضربت نيوزيلندا المثال الذي يجب أن يحتذى في التعامل مع الإرهاب..
انتصر الحب والسلام في نيوزيلندا على الكراهية وردود الأفعال المتشنجة¡ وأثبت الشعب النيوزيلندي نضجه ووعيه بأهمية التعايش والتسامح¡ واكتسب احترام العالم حين وجه صفعة قوية للإرهاب من اليمين المتطرف¡ لبست رئيسة وزرائه غطاء الرأس¡ وصدرت الصحف النيوزيلندية وعلى صفحتها الأولى كلمة "السلام" باللغة العربية¡ ورفع أذان الجمعة في إذاعتها الرسمية¡ وعلى المستوى الشعبي تقاطر آلاف المواطنين النيوزيلنديين من مختلف الأديان والأعراق إلى محيط مسجد النور يحملون معهم باقات الورد يحيطون بالمسجد أثناء أداء صلاة الجمعة الذي وقعت فيه المجزرة¡ حملوا لافتات كتب عليها عبارات التأييد والمواساة مثل: "سنحميكم وأنتم تصلون" و"أنتم أصدقائي" و"هذا لن يفرقنا" وتحدث المسؤولون في كل وسائل التواصل الاجتماعي لشجب وإدانة العمل الإرهابي¡ وأنه لا مكان للمتطرفين بيننا.
لقد خاب ظن الإرهابي الذي تباهى بجريمته ووثقها في بث مباشر في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لقد ظن أن عمله سيجلب ردود أفعال غير ما سمع ورأى¡ لقد ظن أن المسلمين سيقتحمون الكنائس ويقتلون من بداخلها انتقاماً لقتلاهم¡ وأنه سيكون بداية إخراج المسلمين من نيوزيلندا وأستراليا وعدم الترحيب بهم¡ لكن ردود الفعل كانت بعكس ما خطط له¡ بل مخيبة أمل لكل المتطرفين من اليمين واليسار¡ وقدمت نيوزيلندا درساً للعالم أنه لا بديل عن التعايش والمحبة والسلام.
قبل ثماني سنوات أمضيت في نيوزيلندا خمسة أسابيع وزرت خلاها عشر جامعات وتنقلت من أوكلاند في شمال البلاد إلى دنيدن في أقصى الجنوب¡ وتحدثت إلى الطلبة المبتعثين في تلك الجامعات¡ وأعجبت كثيراً برقي الشعب النيوزيلندي وتسامحه واستقراره السياسي والاقتصادي وقلة عدد الفقراء¡ حيث إن نسبة الطبقة المتوسطة تمثل 90 % من السكان¡ حيث لا توجد فوارق كبيرة بين مرتبات كبار الموظفين وصغارهم أو كبار الرتب من العسكريين وصغارها. ولمست خلال جولاتي مدى التسامح الديني ومنه وجود مصليات للطلبة داخل الجامعات.
لقد أثبت هذا العمل الإرهابي البشع أن الإرهاب لا دين له ولا وطن¡ فقد يخطط له وينفذ في أماكن لا نتوقعها وضد أناس لا ذنب لهم سوى أنهم من ذلك المعتقد ووجدوا في ذلك المكان¡ فقد حدث الإرهاب في مساجدنا وفي أقدس البقاع في المدينة المنورة ومكة المكرمة¡ ومثل هذا الإرهاب حصل في سيناء حين قتل مئات المصلين وأفرغت تلك البلدة من رجالها.
وفي الوقت الذي أكتب فيه المقال قد يوجد من يخطط أو ينفذ عملاً إرهابياً أو جريمة ضد أبرياء وهو ما يعني أن نتعلم درساً من رد فعل حكومة وشعب نيوزيلندا الذي وجه صفعة للإرهاب¡ وهذا يدعونا إلى المزيد من العمل داخلياً وعلى مستوى العالم الإسلامي لتحصين الشباب ضد الأفكار المتطرفة مهما كان مصدرها مع التأصيل للسلم والمحبة والتسامح من القرآن والسنة وتنقية ما بأيدينا من تراث قد يتعارض مع السلام والمحبة على مستوى العالم وما يعيشه من تقارب وسرعة نقل المعلومة وتأثيرها¡ وهو ما سيضمن العيش بسلام للجميع وللجاليات المسلمة في مختلف أرجاء العالم بشكل خاص¡ كما أنه من المهم تنقية المناهج وخاصة الثقافة الإسلامية مما أدخل عليها في سنوات ماضية من عبارات قد يفهم منها الدعوة للإقصاء كما هو في الولاء والبراء مما قد تستخدم من قبل المنهج الخفي لبعض المعلمين لبث السموم وتأليب الطلبة على المختلف سواء من المذاهب الإسلامية الأخرى أو الأديان المختلفة.
المملكة اليوم تقود تغييراً شاملاً على كل المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ولها تأثير كبير على مستوى العالم العربي والإسلامي وهو ما يحتم أن يواكب التعليم والإعلام والمسجد هذا الحراك فينقي العقول مما قد بقي من برمجة سابقة أضرت بالإسلام وكان دافعها سياسياً¡ وخطط بعيدة للسيطرة على العالم الإسلامي كما هو في فكر الإخوان المسلمين وفي خطط قادة الثورة الإيرانية الذين أججوا الخلافات المذهبية التي لم نكن نسمع بها من قبل.
العالم بحاجة إلى السلام والمحبة ومحاربة كل فكر متطرف يدعو للكراهية والبغضاء مهما كان مصدره أو حججه¡ وقد ضربت نيوزيلندا المثال الذي يجب أن يحتذى في التعامل مع الإرهاب كحجب الإعلام عنه ففوت عليه الفرصة ومنعه من تحقيق أغراضه الشريرة¡ فلا شيء ينشر الإرهاب ويشيد به كالإعلام الحديث.




http://www.alriyadh.com/1746521]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]