هذه المسألة من المسائل التي أشبعت بحثاً ونظراً¡ إلا أنني أريد أن ألفت الانتباه إلى بعض الزوايا في المسألة ينبغي ألا يغفل عنها في وقتنا الحاضر.
والملاحظ أن تعريف الرشوة يدور على أنها: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل¡ وتجد - مثلاً - ابن العربي يعرفها بأنها: كل مال دفع يبتاع به من ذي جاه عوناً على ما لا يحل¡ والصنعاني صاحب السبل يقول: إن الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل. حتى منظمة الشفافية العالمية عرفت الرشوة بأنها: تقديم الوعد بإعطاء القبول بإقناع أطراف أخرى للقيام بعمل غير شرعي وغير أخلاقي يستغل ثقة الآخرين¡ وتكون على شكل نفوذ أو قروض أو هدايا.. إلخ.
ما الذي نستفيده من هذه الملاحظة¿ الذي نستفيده أن مسألتنا هذه لا تدخل في تعريف الرشوة هذاº لأن هذا الذي يدفع ماله إلى الموظف الخائن لأمانته¡ يدفعها لاستخلاص حقه¡ وهذا الحق قد يكون مالاً وقد يكون مصلحة معينة¡ ومن هنا رأى بعض أهل العلم أن هذه المسألة لا تدخل في الرشوة من جانب الدافع لا من جانب المدفوع له¡ وبعضهم قسَّم الرشوة إلى قسمين: قسم يحرم¡ وهي التي يتوصل بها إلى حرام¡ وقسم يجوز¡ وهي التي يتوصل بها إلى حق.
وأهل العلم وإن اتفقوا على أن الرشوة من كبائر الذنوب¡ فقد ذهب جمهورهم إلى أنه يجوز للإنسان أن يدفع رشوة للحصول على حقه¡ أو لدفع الضرر¡ ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي.
والقول الآخر في المسألة: أنه لا يجوز دفع الرشوة لاستخلاص حق¡ وإذا دققنا النظر في هذا العمل نجد أن الراشي «دافع المال» يعطي هذا الموظف مالاً ليمارس أساليب غير شرعية من حيث: إنه ينجز عمله بهذا المقابل ومن هنا فهي رشوة محرمة وإن استخلص حقه¡ فهو يعينه على الإثم والعدوان¡ وإذا استعرضنا المصالح والمفاسد في هذا العمل نجد أن المفاسد في هذا العمل تربوا على المصالح بكثير¡ ذلك أن مصالح هذا العمل تنحصر - فقط - في استخلاص هذا الإنسان لحقه¡ أما المفاسد فهي التالية: 1- يعين هذا المرتشي على الإخلال بأمانته . 2- يؤكله مالاً حراماً. 3- يظلم غيره من الناس¡ وذلك أن من لم يدفع لن تنجز معاملته¡ وهذه المفسدة نبه عليها ابن باز رحمه الله «فيما أذكر». 4- وتدخل هذه الصورة في التعاون على الإثم والعدوان¡ وذلك مضر بالمجتمع كله. 5- يؤدي إلى شيوع الرشوة التي تضر بمصالح الناس وتعطل التنمية.
وعلى ذلك أنبه إلى نقطة أراها مهمة جداً¡ وهي: أن هذه المسألة التي عنونا بها هذا المقال¡ وإن كانت مسألة مبسوطة ومعروفة بين أهل العلم باختلاف الفقهاء فيها¡ إلا أنها وفي ظل الدولة الحديثة وقد صدرت بها الأنظمة والتعليمات التي تجرم مثل هذه الصور لا ينبغي أن تشاع الفتوى بالجواز¡ فإن الأنظمة والتعليمات تمنع أن يبذل الإنسان ماله لموظف لينجز ما أوكل إليه¡ والأجهزة التي رتبتها الدولة¡ سواء تلك العدلية أو الرقابية أو تلك التي تكافح الفساد من مهامها تعقب الفساد والمفسدين¡ ومن كان له حق فليطالب به من الجهة المشروعة¡ ومن له مظلمة فليرفعها إلى أهل الشأن في مظلمته.
وفي تقديري: إن الفتوى بالجواز في هذه المسألة تمس النظام العام¡ ويجب أن تكون مناطة بالمؤسسة الرسمية للفتوى التي ترى التحريم.




http://www.alriyadh.com/1746517]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]