«إلى أين أهرب منك¿¡ وكل الأماكن فيها عبيرك¡ والذكريات وبوح العيون¿!»
( ط – ألف)

في ملامسته الشعورية المتمثلة في شرائحه الشعرية يسير الشاعر طارق أبوعبيد في الطرقات الشاعرية التي تستطلع فيها روحه الشفافة المناظر المختلفة التي تلامس الأذواق والأمزجة الجماعية السامية بنظرتها لما يحبه الإنسان لأناه والأنا الأخرى¡ فيستمر في سيره ملتقطاً من الشتلات والأشجار الثمار الأزهار وربما يستولى على الشتلة بكاملها¡ لينقها إلى مكان ترتاح له نفسه التي ترى في ارتياحها راحة الآخرين¡ ويمعن في أن يكون ما يذهب إليه مقبولاً لدى من يخاطب¡ ففي إهدائه هذا الديوان: «إلى عائلتي شعاع الدرب وبوصلة القلب والقصيدة الأكمل» هو هنا لامس الواقع الحسي المستمد من المشاعر الإنسانية التي تجمعها وتجمع عليها القلوب البشرية¡ فكل أبٍ يرى أنه الأكمل¡ وهذا في حقيقته يجسم الإمكانات والقدرات مع الفوراق المتاحة لكل حسب مكانته.
بدأ طارق ديوانه - مجموعته الشعرية¡ الصادرة بعنوان «رسائل لن تصل» 2019 عن النادي الأدبي بالرياض بقصيدة أهداها إلى روح الشاعر الفذ والمفكر العملاق وقدوة الأجيال بعبارة «إلى غازي القصيبي رحمه الله» متوجاً إياها بعنوان معبر عن حبه وتقديره له «حكاية للأجيال عن رجل من كوكب آخر»¡ وبالرغم أن غازي ليس إلا من كوكب الأرض فالشاعر يحق له التخطي والتجاوز المجازي¡ ويقبل منه ذلك بحكم التخيل والتخييل المودي إلى طرق الجمالية الفنية التي تجيء في لحظة انفعال يجسم التفاعل الذاتي بالتعبير عن المشاعر الطازجة:
قد كان ياما كان
من زمان
في سالف الأوان
هناك في سمائنا القصية البليدة
نجم يشع من بعيد
ذات ليل داكن أتانا غازياً
من الكواكب البهية الفريدة
.. في صفته العجب
فكان كل همه أن يرضي الفقير
وحلمه أن يسعد الصغير والكبير
.. وأن يقول ما يراه / حتى رموه بالحصى
وأشهروا في وجهه هراوة التكفير
وظل هكذا..
قد طالت وقفة الشاعر مع قدوته المفكر والإنسان غازي القصيبي في هذا النص الذي استللت منه هذه الشريحة بقليل من التصرف¡ وقد كنت أهدف منه تأطير صورة الوفاء الكامنة في النفوس لمن كان وفياً في حياته وأميناً في عمله¡ حيث يرسم لمن بعده طريق الوفاء بتلقائية¡ وفي سفر الشاعر للدراسة في الخارج عز عليه فراق الوطن والأهل:
خذوا مني (بَفَرلي هِلْزْ)
خذوا هوليود
و(الصنْ سِتْ)
وردوني إلى ذكرى بيوت الطين
والحارات في جَبْرة.
في فورة نافورة استثارة المشاعر من حدث جليل على النفس وعابر على الناس يكون من يكتوي بنيران الانفعال هو الأقرب لأنه هو من يحس بالفاجعة وخاصة عندما تكون فلذة كبده التي خطفها الموت في الغربة إبَّان التحصيل العلمي¡ فقد طارق ابنته «أمل» ودفنها في مقبرة لانكاستر الإسلامية بكاليفورنيا فكتب إليها رسائل لن تصل وهو في قلبه يحمل الحزن العميق:
سأحثو على نصف قلبي التراب
وأسكنها جوف قبر يباب
والشاعر - أي شاعر كان - هو في تعامله مع الحياة والناس يلامس بمشاعره التي تحملها الكلمات القلوب البشرية¡ فتتعاطف معه وتشاركه في أحاسيسه البشرية والجمالية متى ما كان يعبر بصدق عمّا يجيش في وجدانه غير متصنع ولا شاف لما ساواه¡ فصدقه الفني هو الجاذب وتمكنه من صوره والتقاطها من زوايا مختلفة يحسن التمركز فيها يعطي عمله أولية الاستحقاق¡ وطارق شاعر يشعر أنه يكتب الشعر بصدق فني جميل وهذا ما رسمه بحق في ديوانه الذي يشي بأن لديه ماسيقوله ليضيفه في القادم.




http://www.alriyadh.com/1749303]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]