قبل أن نفهم لماذا نجح كتاب ما¡ علينا أن نفهم نوعية المتلقي الذي أقبل على شرائه¡ ثم علينا أن ندرك شيئاً مهماً¡ وهو أن الكاتب نفسه متلقٍّ¡ ومكونات أدبه ناتجة عن ذوقه الخاص في اختيار أدواته الكتابية¡ ولغته¡ ونوعية الحكايات التي تثيره¡ والتي يقوم بسرد ما يشبهها. عملية الفرز البسيطة هذه تحيلنا مباشرة إلى خصوصية التلقي بما تحمله من أسرار تصنع خلفية تسويق الكتاب.
وفي استنتاج بسيط فإن الكاتب يشبه قرّاءه¡ وهم يشبهونه أيضاً¡ ولهذا يصعب أن يستولي كاتب على قرّاء غيره¡ فالأولوية دائماً لمن يشبههم¡ ويشبهونه¡ حتى وإن قرؤوا غيره.
وحسب تصنيفات إضافية¡ فإن الكاتب المنبثق من قراءات أدبية راقية¡ سيجذب قرّاء من صنفه¡ يتذوّقون الأدب الرفيع¡ يتمعنون في صياغة اللغة¡ وبناء الحدث¡ وتداخل الأزمنة¡ وتعدد الأصوات¡ وغيرها من تفصيلات دقيقة يعتمدها الأديب الحقيقي الذي بحكم تكوينه لن يستطيع أبداً أن يكتب نصوصاً تسلي قارئاً تفصله عنه مستويات سحيقة.
علينا أن ننتبه جيداً أن الأغلبية الساحقة لا تتذوق نصاً مثل "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز¡ إلا في حالات خاصة¡ حين يكون مجمل القرّاء ذوي تعليم رفيع المستوى¡ وذائقة أدبية فنية ترعرعت في ظروف ثقافية ممتازة¡ يستحيل على قارئ فاقد لهذه الخلفية الثقافية أن يتذوق نصاً بهذا المستوى¡ تماماً كما يستحيل على كاتب منبثق من هذه الفئة من القرّاء أن يعطي أكثر من طاقته¡ ففاقد الشيء لا يعطيه¡ فهل اتضحت مسألة انتشار بعض الكُتّاب عن غيرهم في عالمنا العربي¿
كون القارئ هنا¡ يختلف تماماً عن قارئ آخر في بلد أكثر تطوراً فكرياً. مع ملاحظة أن القارئ العربي ليس قارئاً واحداً¡ تماماً كما القارئ الغربي الذي ليس قارئاً واحداً¡ فلكل قارئ خصوصيته. القارئ في المشرق يختلف عنه في المغرب¡ قارئ اللغة الوحيدة يختلف عن مزدوج اللغة¡ القارئ الذي عاش في بيئة واحدة يختلف عمّن سافر واحتك بمجتمعات مختلفة... إلخ.
لا كاتب أفضل من كاتب¡ ما دام الكاتب يكتب لفئة تشبهه¡ هناك من يشبه الآلاف¡ ولا فرق بين مستواه ومستواهم التفكيري¡ بثقافةٍ لا تتعدّى سقف القيل والقال¡ والنمائم اليومية التي يحوكها المجتمع من أجل التسلية¡ وهناك كاتب متفرّد¡ أشباهه قلّة¡ متموقعون في الصف الأول من ذوي الوعي¡ والإدراك العقلاني للأمور¡ وهؤلاء ليست وظيفتهم تسلية الفئة السابقة الذكر¡ كونهم يغيرون واقع شعوبهم¡ ويصنعون وعي الأجيال القادمة¡ وتأثيرهم أكثر امتداداً وبقاء من التأثير الآني لكتاب نالوا شعبية في زمنهم¡ ثم انطفؤوا مع تطور الوعي¡ وارتفاع القدرات الإدراكية لمجتمعاتهم.




http://www.alriyadh.com/1749308]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]