المدارس الداخلية تجربة تستحق المحاولة مادام أن الهدف هو تحسين العملية التعليمية¡ والرفع من قدرة النظام التعليمي¡ وتحسين البيئة المدرسية. ومن الممكن تطبيق هذه التجربة بالتعاون مع القطاع الخاص..
يقوم التعليم العام على تطوير الأفكار ورعاية النظريات الجديدة حتى تسهم في البناء الفكري والسلوكي للطالب. وخلال سنوات كانت هناك العديد من الأفكار والنظريات التي كان الهدف منها الخروج من الطابع التقليدي أو الكلاسيكي للتعليم إلى أفكار مستجدة تتجاوب مع التغييرات الاجتماعية والبيئية التي يعيش فيها الطلاب¡ فنشأت فكرة المدارس المستقلة¡ والمدارس من دون جدران¡ ومدارس اليوم الكامل والمدارس الشاملة¡ ومدارس المستقبل¡ وغيرها من الأفكار التي تم تطبيقها على شكل تجارب في البدايات وتوسعت بعد نجاحها أو توقفت بعد تجارب محدودة.
وتعد فكرة المدارس الداخلية أحد الأنظمة التعليمية الموجودة منذ فترة ليست بالقصيرة حتى إن بعضها يعود إلى مئات السنين كما في مدرسة كنغ في بريطانيا¡ ومدرسة وينشستر كويلج 382¡ حيث يصل عدد هذه المدارس في بريطانيا إلى 772 مدرسة¡ كأكثر الدول اهتماماً بالمدارس الداخلية. كما تنتشر هذه المدارس في دول أخرى مثل أميركا وفرنسا وكندا وسويسرا وحتى في بعض الدول الآسيوية مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا¡ وبعض الدول العربية كما في مصر والأردن.
ويعود سبب الإقبال على هذه المدارس لكونها تتبع نظاماً تعليمياً صارماً لا يقتصر على الجوانب التعليمية فقط¡ وإنما يهتم بتقويم وتهذيب السلوك¡ وإعداد الطلاب ليصلوا إلى مراحل التميز الأكاديمي والارتقاء في السلم الاجتماعي من خلال التحفيز الدائم على التعلم.
وتتميز المدارس الداخلية بكونها تستقبل الطلاب في سن متأخرة¡ وبموقعها بعيداً عن صخب المدنية وزحامها في منطقة ريفية ويتوفر بها سكن داخلي¡ ومساحات واسعة يمارس فيها الطلاب الأنشطة المختلفة. وتوفر معظم المدارس الداخلية بها سكناً للأهالي فيما لو رغبوا بزيارة أبنائهم أثناء الأسبوع لأي سبب. ويتوفر فيها إشراف كامل على الطلاب من قبل متخصصين لحل أي مسائل تتعلق بالإقامة والعلاقات مع بقية الطلبة.
والهدف من تجربة المدارس الداخلية تحسين قدرة الطالب على التعلم¡ وتعويده الانضباط والاستقلالية والاعتماد على النفس¡ ودعم تنميته ونموه أخلاقياً ليصبح عضواً مسؤولاً في المجتمع¡ والاهتمام بالمواهب الفردية لكل طالب بطريقة مستقلة من خلال توفير معايير تعليمية وكفاءات عالية جدّاً¡ تحقق للطالب طموحه للارتقاء في السلم الاجتماعي.
ولا يقتصر البرنامج الدراسي على الفصول الدراسية المعتادة¡ وإنما يبدأ من الخامسة صباحاً بترتيب مقر السكن والتأكد من نظافته ثم الانتقال إلى الساحة لأداء التمارين الرياضية ثم تناول طعام الإفطار¡ وبعد ذلك تبدأ الحصص الدراسية. وخلال فترة اليوم يشترك الطلاب في الأنشطة الجماعية التي تستهويهم مثل السباحة وركوب الخيل والرياضات المختلفة الأخرى¡ هذا خلاف البرامج الخاصة بالحاسب وإدارة الأعمال¡ وما إليها من النشاطات المختلفة تبعاً لسياسة كل مدرسة.
ولقد حرصت وزارة التعليم في المملكة وطوال السنوات الثلاثين الماضية على تطبيق أفكار جديدة في المجال التعليمي وخاصة في المرحلة الثانوية¡ ولعل آخرها تطبيق نظام المقررات¡ ومدارس بوابة المستقبل والمدرسة الافتراضية بهدف النهوض بمستوى تعليمنا ليتواءم مع رؤية المملكة 2030¡ ويحقق طموحات وتطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.
ولكن من المستغرب عدم قيام وزارة التعليم بتجربة نظام المدارس الداخلية لطلاب المرحلة الثانوية¡ مع أن لائحة تنظيم المدارس الأهلية الصادرة من مجلس الوزراء بالقرار رقم (1006) وتاريخ 13 /8 /1395هـ تضمنت في المادة السادسة ما يؤكد على إمكانية الترخيص للمدارس الداخلية¡ حيث يشير نص المادة إلى ما يلي: "لا يجوز استعمال مبنى المدرسة الأهلية لغير أغراض التعليم ولكن يجوز تخصيص قسم منه لسكن طلاب القسم الداخلي بشرط أن تراعى فيه مقتضيات النظام والأخلاق وقواعد الصحة العامة".
فالمدارس الداخلية تجربة تستحق المحاولة مادام أن الهدف هو تحسين العملية التعليمية¡ والرفع من قدرة النظام التعليمي¡ وتحسين البيئة المدرسية. ومن الممكن تطبيق هذه التجربة بالتعاون مع القطاع الخاص. فما المانع من الترخيص لهذه التجربة في نظامنا التعليمي¿ خاصة أن هناك عدداً من الآباء من المقتدرين مادياً مكنوا أولادهم من تجربة المدارس الداخلية خارج المملكة¡ في بريطانيا وسويسرا على وجه الخصوص¡ حيث ستكون هذه المدارس نواة لبناء الشاب السعودي بناء تعليمياً واجتماعياً مختلفاً¡ كما ستساعد الآباء على رعاية أبنائهم بأسلوب مختلف في غمرة التحديات التي قد يعانونها معهم من انحرافات سلوكية أو فكرية¡ أو تمرد على المنزل¡ فكم من الشباب الذين عاشوا تجربة المدارس الداخلية من أبنائنا وعادوا وهم أكثر اعتماداً على أنفسهم¡ وأقدر على التعامل مع المشكلات التي تواجههم! فأصبحوا مميزين في دراستهم¡ يملؤهم الطموح للارتقاء في مجتمعهم.. فهذه دعوة لوزارة التعليم لتمكين القطاع الخاص لخوض هذه التجربة الجديدة على نظامنا التعليمي.. والله ولي التوفيق.




http://www.alriyadh.com/1766363]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]