كل من يعمل يغني¡ الفلاحون والزراع وكل ذي مهنة ومهرة. ولعل الحداء للإبل كي تغذ السير بنشاط وخطى واسعة ما يجلب السعادة للقافلة والركبان.
العاملون والعاملات في "صرام: الزروع و: التذرية والدياسة" يغنون حتى يتم إنجاز العمل في وقت أسرع. البناؤون و(الملقفة) جالبو الحجارة أو اللبن أو الطوب يتبارون في أهازيج جماعية تجعل للعمل متعة تتغلب على التعب. ليس هذا في الأرياف بل في المدن كذلك¡
لم تكن تصاحب أهازيج الغناء في مسارات العمل أدوات عزف وترية¡ فجماليات وحسن الأصوات كانت هي المقامات التي تسير بها الطروق.
في إحدى القرى التي تطورت حاليا إلى حياة معيشة مدنية¡ كان صالح بن مياح رجلا تقيا حسن الصوت ووسيم الخلقة¡ إذا انتهى عمله في الحقل أو الرعي مبكرا: يضوي: ليرتقي على صخرة فوق المسجد ويبدأ في النقر عليها فتصدر صوتا موسيقيا بديعا متنوع المقامات حين يموسق ممسكا بيديه حجارة صغيرة يدق بها على الصخرة: المنقيرة: فهو ينقر ويغني: ويدوهي:. مع قرب موعد أذان المغرب ينهي وينتهي مع المنقيرة ويضع أحجار العزف فوقها ثم يصدع بالأذان للصلاة ويؤم المصلين ويتلو آيات بحرف (القيف) في الغالب.
في الجانب الآخر كان (معدي بن صنداح) راعيا يسرح بالحلال من الماعز والضأن¡ يمضي يومه في المراعي منتبها لها من النشب في بعض مناطق (العد ش) أو مخاتلة الذياب¡ يمضى مع هذا العمل متسليا بالتمزيك بالمزميرة (الناي) التي يقتطعها من شجر ويسلخ اللحاء من على العود¡ ويعمل فيها مناسم لوضع الأصابع عليها حين ينفخ في المزميرة وبعدها يبدأ في التزمير وبث أنغام بديعة أكثر ما تكون بعد العودة إلى البيوت لتكون من مسليات السهر والربخة والخطوة¡ لكن قدر من الله ظهر ثلل من المعلامة أبلغهم المعلم أن في وجود المنقيرة والمزميرة ما لا يتفق مع استقامة المظهرية له وطلابه¡ وأن الأمر يقتضي كسر الصخرة – المنقيرة – وحرق المزميرة¡ وتفوق هؤلاء على معلمهم أن حرموا العرضات ولعب الأفراح في الزواجات وحفلات الختان¡ وتفتقت ذهنيات أوجدت متطوعين لصرف من يدقون الطبول عن حضور الاحتفالات الفرايحيةº حيث قام هؤلاء بصرف مبالغ تفوق ما كان متفقا عليه مع أهل الزواج أو الختان¡ بل ربما تطور اجتهاد مجتهد إلى طعن الطبل وتمزيقه.
بلغ الحزن بصالح ومعدي مبلغا كبيرا¡ وقالا: يا الله حتى (الغيران) ما سلمت من التكسير¡ الله يلطف بنا فربي هو الذي جعل للحجر صوتا ولونا وللشجر طعما ومذاقا.
وجاء معلم التربية الوطنية (دغيم بن دخيخان)¡ فكتب في أول درس بعد العطلة على اللوح الأخضر في الصف الثالث المتوسط بيتا من الشعر:
يا عازف الناي صوت الناي أشجاني
قل أنت بيتا وخذ من آهاتي الثاني
ما كدت تنفخ حتى بات ما اخفت أنفاس
صدرك من حزن فأبكاني




http://www.alriyadh.com/1766804]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]