اللغة مخادعة¡ إذ لا يمكننا أن نفهم محمولاتها بمقصد كاتبها تماما¡ ثمة في مسارات التلقي والإدراك ومحاولات الفهم والاستيعاب تأويلنا الخاص للمعنى¡ هكذا تعيد القراءة إنتاج النص من جديد¡ وكلما تعدّدت القراءات كلما تجدد النص وصعب قتله¡ وموت النص بالمعنى المجازي يشبه حكاية موت الكاتب التي نادى بها دعاة نظرية التلقي¡ لكن بطريقة مغايرة.
يُقتل الكاتب عمدا حتى يتعامل القارئ والناقد مع النص بمعزل عن أي مؤثرات خارجية قد تحوله إلى وثيقة للبحث في حياة الكاتب وأسباب كتابة النص¡ وتقييم ضعفه أو قوته من خلال مبررات شخصية بعيدة تماما عن غايات النقد.. أمّا قتل النّص فمهمة صعبة¡ لأنه الأثر الذي يبقى¡ الأحفور الذي يظل شاهداً على عملية إنتاج قديمة¡ قد لا يكون مادّة خالدة ولكنه مادة تُبعث كلما أعيدت قراءتها¡ وقد حدث ذلك مع كتب كثيرة لم تنل حظها في أزمانها¡ أما النصوص التي اندثرت مع الزمن و"ماتت" فهي نصوص لم يحالفها الحظ لتعيش¡ لم تطبع أو طبعت ولم تقرأ¡ أو لم تكن ذات قيمة¡ مع أنّه من النادر أن نصادف نصا مفرغا من قيمة ما.
بعض النصوص شواهد¡ مثل تلك الشواهد التي تزين القبور الفخمة¡ وتتحوّل لمعالم¡ فحتى القبور لها مكانتها بين الأحياء¡ مثل مبنى "البانتيون" في باريس¡ حيث ينام عظماء الأدب والتاريخ الفرنسي جنبا إلى جنب في نومة أبدية¡ مثل قبر الشاعر لويس أراغون في حديقة بيته وإلى جواره ملهمته إيلزا¡ وهما يمثلان رفات الشعر على إيقاع موسيقى باخ التي لا تتوقف أبدا¡ وقد وضعها أراغون بنفسه لحبيبة عمره لأنها مولعة بسماعه...
تجرنا الكتابة/ الأدب إلى المكتبات¡ وبيوت كُتّابها¡ وحتى إلى قبورهم¡ وهذه عادات لم نألفها نحن العرب في مجتمعاتنا¡ من باب الابتعاد عن تقديس الموتى¡ والهروب من تعقيدات أخرى¡ تدخل ضمن رفض ثقافة الأضرحة والتبرك بها¡ لا يستوعبه الغرب الذي يستثمر في الثقافة¡ بموادها وصانعيها لإثراء المكون الثقافي للمدن وتميزها¡ إذ لا تخطر بتاتا ببال زائر بيت فيكتور هيغو مثلاً فكرة "التبرك" تلك¡ بقدر ما تشده الظروف المحيطة بالكاتب الذي كان جزءاً من حركة التنوير الفكري الفرنسي آنذاك¡ حتى أن المقارنة بين إمكانيات الكتابة بين زمن هيغو وزمننا -على سبيل المثال لا الحصر- تضعنا أمام ترسانة من الأدوات من حبر ورِيَش ومحابر ومنشفات ورق وغيرها¡ تكشف لنا بسرعة لماذا عاش نص هيغو كل هذه السنين¡ ولم يمت ولماذا عمر كتابنا قصير ونصوصهم أيضا.




http://www.alriyadh.com/1766960]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]