بينما كنت أقرأ في الإندبندنت العربية تقريراً يشير إلى القدرات التخزينية غير المسبوقة في الحمض النووي¡ حيث يمكن تخزين معلومات تصل إلى 12 تريليون غيغابايت في سنتيمتر مكعب واحد من الحمض النووي¡ وهذا يعني أن متراً مكعباً واحداً من الحمض النووي يكفي لتخزين كل ما يحتاجه العالم من معلومات في عام واحد¡ وذكر التقرير أن الشركات مثل: ميكروسوفت¡ وتويست¡ وبيوساينس تتسابق لتطوير هذه التكنولوجيا.
أقول بينما كنت أقرأ في هذه الصحيفة هذا التقرير رجعت بي الذكرى إلى فائدة أو تأمل ذكرها لنا معالي الشيخ ناصر الشثري «أبوحبيب»¡ وكنت وزملائي في اللجنة الاستشارية بالديوان الملكي نسعد في تلك الأيام الممتدة منذ العام 1427هـ إلى 1430هـ بمجالسة الشيخ ناصر ومعه زميله ذو المحيا الطلق والنفس الرحيبة معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم الذي سبق أن كان أميناً لمجلس الوزراء.
هذان الشيخان الجليلان¡ كان من سعادة الكاتب أن جالسهما وأخذ عنهما¡ وهما يفوقانه في العمر بما يقارب أربعين سنة¡ وكانا يقولان عن نفسيهما: نحن الشيوخ وأنتم الشباب¡ وكنا نُسرّ دائماً بلقاء الشيوخ مع الشبابº لما في ذلك من نقل الخبرات والتجارب بصورة قصصية¡ وأحياناً بصورة مواقف تدمع لها عين الشيخ ناصر¡ والشيخ عبدالعزيزº لاسيما والشيخان لديهما مخزون كبير وذاكرة جيدة¡ فربما في المجلس الواحد يذكران من الشخصيات والأحداث ما يجعلك في حال نشاط ذهني لملاحقة ما يذكران وما يعلقان.
وكل مجلس ترى فيه «جدد بيض وحمر» كلوحة «الأصدقاء الثلاثة» التي رسمها ويليام جونسون¡ ومن توفيق المرء أن يجالس من نسميهم في لهجتنا الدارجة بـ»الشيبان»º فكيف إذا كان هؤلاء «الشيبان» تدرجوا في مناصب¡ والتحقوا بمراكب¡ وعاصروا أحداثاً¡ وواجهوا عقبات¡ ثم تتلقى عنهم وهم يختصرون لك سنوات مديدة من أعمارهم¡ وهم - بحسب خبرتهم وتجربتهم - يذكرون لك الأحداث مع التركيز على مواطن العبرة منها.
أرجع إلى فاتحة المقال¡ فما الرابط بين ما ذكرته صحيفة الإندبندنت وبين ما ذكره لنا أبوحبيب¿ في يوم من الأيام في مكتب الشيخ عبدالعزيز السالم وكان يجلس مقابله الشيخ ناصر الشثري¡ وكنا حولهما.. استطرد الحديث إلى ما يشهده العالم من تطور تقني في مجال تخزين المعلومات والبيانات¡ مما مكن الحكومات والشركات من ضبط الأمور بشكل عجيب¡ فقال أبوحبيب: إن الله تعالى يقيم في هذه الحياة وفي كل عصر من العصور ما يشهد بوحدانيته وقيوميته¡ فإذا كان العقل الإنساني في السابق يقف مشدوهاً أمام قدرة الله عز وجل في الآخرة¡ كيف يحاسب البشر في لحظة واحدة على كثرتهم وكثرة أعمالهم وتطاول فتراتهم عبر الدهور والقرون¡ فإن الصورة في هذا الزمن باتت أقرب¡ وهو يشاهد هذا الإنسان الضعيف يستطيع أن يخزن ملايين المعلومات عن ملايين البشرº ثم بضغطة واحدة يستطيع أن يستحضر ما شاء من معلوماتº فكيف إذن بقدرة القادر المبدع الخالق سبحانه وتعالى¿!
ذكرت ذلك وما أزال أذكر الآية التي كان يرددها «أبوحبيب» وكأن صوته يرن في أذني الآن (ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) قال أهل التفسير: هو أسرع الحاسبين لكمال علمه وحفظه.




http://www.alriyadh.com/1766948]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]