دائماً ما أردد: «معالم المدينة أسرارها»¡ بمعنى: أن المعلم الحقيقي للمدينة - أي مدينة - هو الذي يكشف لك وربما يهمس لك بسرّ عن هذه المدينة¡ وهذا هو الذي يستحق أن يكون معلماً.
وأضيف: إن كثيراً منا إذا زار بلداً ماº فإنما يبادر بنظره إلى البنايات الشاهقة¡ إلى ناطحات السحاب¡ إلى المظاهر المدنية المتكررة في كل العالم ثم يرجع ويخبرك وكأنه أصبح عارفاً بجوهر هذا البلد¡ والحقيقة أنه لم يعرف شيئاً حقيقياً¡ ما عرفه هو يساوي ــ تماماً ــ معرفته عن البلدان التي لم يزرهاº لأنها كلها تتساوى في البنايات والأرصفة وأعمدة الإنارة وإن باختلاف النسبة¡ إذاً فمعالم المدينة أسرارها: المعلم الحقيقي هو الذي يخبرك عن شخصية المدينة بمختلف ألوان هذه المدينةº الديني منها والتاريخي والثقافي وحتى المعيشي¡ ربما منارة مسجد تخبرك عن قصة المدينة¡ كمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو الجوهر الأهم للمدينة المنورة¡ وربما قصر مشيد يخبرك عن تأسيس مجيد¡ كقصر المصمك بمدينة الرياض¡ فمنه انطلق تأسيس هذه الدولة العظيمة المملكة العربية السعودية.
وهكذا ربما نهر جار يشق وسط المدينة¡ ولم يتوقف طوال آلاف السنين¡ وعلى ضفتيه جرت آلاف الحكايات¡ كنهر النيل الذي يتهادى في ربوع مصر فهو المعلم الأعظم لهذه البلاد حتى قال شاعرهم:
شابت على أرضه الليالي ** وضيعت عمرها الجبال
من هنا تبدأ بالتعرف على المدينة¡ ومن هنا تحبها¡ ومن هنا تتحاور معها¡ وتتلقى عنها¡ وتلقي إليها.
ومن هنا تتخذ هذه المدينة صديقة وفية مخلصةº لأنها رفعت اللثام عن أسرارها¡ ومن ثم أحسست بأشواقها¡ كنت مرة على شاطئ جدة¡ فقال لي صاحبي ــ وقد رآني ممعنا النظر في أمواج البحر التي لا تدري أيُّ شأنيه أجمل¿ أتراقص أمواجه وهي تضطرب إلينا¿ أم صوت هذه الأمواج التي تهدر وتصفق¿ ــ قال: ماذا ترى في البحر¿ فقلت له عبارة مجازية: أرى فيه أسرار العاشقين¡ بمعنى: أن سر جدة الأعظم وعشقها الأكبر بدأ من هنا من البحر¡ فنشأتها تاريخياً على يد مجموعة من الصيادين منذ آلاف السنين.
ومن هنا تبدأ هندسة المدن من مسجد¡ أو من قصر¡ أو من نهر أو بحر أو جبلº لأن هندسة المدن تبدأ من معالمها التي تهمس بأسرارها.
ولئن بقي من المقال شيءº فلقد أعجبني تشبيه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ــ أيده الله ــ همة السعوديين بجبال طويق¡ وهذه الجبال معلم بارز تتخذ شكل الطوق وكأنها صدر الرياض أو حصنها المنيع¡ لقد طار هذا المعلم بعد هذا التشبيه البليغ كل مطار¡ وأخذت بعض وكالات الأنباء تسأل جيولوجيين سعوديين ليتحدثوا عن هذه الجبال¡ عن طولها وعرضها وامتدادها¡ وطبيعتها الجغرافية¡ ثم عن المغزى من هذا التشبيه¡ وخذ هذه الفائدة: «من فضائل الثقافة الواسعة: أنها تمكنك من استخدام عدد من الأدوات للتعبير عن فكرتك وتأييدها».




http://www.alriyadh.com/1771805]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]