في الوقت الذي نشعر فيه أن الوعي الثقافي في ازدياد¡ من إقبال على القراءة¡ وورشات للكتابة¡ وتوقيعات كتب¡ وعروض مسرحية ونوادي كتب¡ وإطلاق مشروعات ضخمة مثل العواصم الثقافية¡ نلاحظ شبه غياب للصحافة الثقافية على المستوى العالمي عموماً¡ والعربي على وجه خاص. وإن كانت بعض القلاع الثقافية لا تزال صامدة ومنها جريدة "الرياض" التي أطل أسبوعياً عبر صفحاتها الورقية والإلكترونية¡ فإن الأمر يختلف مع منابر أخرى مثل الصحف التي كانت تصدر من بيروت¡ والقاهرة وكنا نعتقد أنها لن تنطفئ أبداً..
غياب الخبر الثقافي من نشرات الأخبار وتقليصه يطرح الكثير من الأسئلة¡ تتعلق أغلبها بنوعية النشاط الثقافي السائد¡ وهل هو ثقافي فعلاً أم أنه يرتدي عباءة الثقافة من أجل الحصول على تمويل¿ هذا سؤال أثارته أقلام إعلامية أوروبية دقاً لناقوس الخطر الذي يتهدد عالم الثقافة في الزمن الإلكتروني الذي يميل للأخبار الخفيفة من نوع التسالي¡ وليس من النوع الدسم الذي أسس له مثقفون كبار منذ مطلع القرن الماضي¡ كاشفين أن المنابر الإعلامية الثقافية يجب أن تتولى بنفسها صنع الحدث الثقافي¡ لا أن تتركه في أيدي بارونات التمويلات المالية التي لا يسكنها الهاجس الثقافي بقدر ما يهمها تغذية صناديقها.
وقصّة التمويلات هذه طويلة¡ والمقام ضيق لسردها¡ لكنها ملخّصة في هدر أموال طائلة لإطلاق مشروعات¡ مثل تأليف وترجمة كتب¡ أو صناعة أفلام¡ أو منح الكتابة التي تقدم سنوياً لـ"مبدعين" من العالم العربي والتي قد تفوق العشرة آلاف دولار من أجل التّفرغ للكتابة¡ تنتهي بإصدار كتب لا تصلح حتى لتقشير البطاطا¡ ولا من معاتب ولا من ملام¡ فما يهم هذه الجهات هو الأوراق التي تثبت أن فلاناً استلم وقدّم¡ أما من هو فلان¿ وماذا قدّم كنوعية¿ فهذه أسئلة معلّقة على أقرب شماعة خلف الباب.
إن الصحافة الثقافية في نظري قتلها الاكتفاء بتغطية الأحداث لا بصناعتها¡ وبنشر الأخبار دون متابعتها وانتقادها¡ مع أنّ كل صحافة لا تنتقد ولا تسأل ولا تفتح سجالات للنقاش مصيرها بائد لا محالة¡ وهذا ما جعلنا اليوم في عاصمة مثل بيروت نكتفي بما تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار تلبي الحاجة من الترويج¡ ولكنها لا تملأ مساحات الصمت التي تركتها أسماء كبيرة كانت تصنع الحدث الثقافي بسجالات دسمة وحراك ثقافي محترم.
هل يمكن للصحافة الثقافية أن تستعيد دورها¿ نعم ممكن¡ حين تستلم دفة صناعة الثقافة¡ من ورش للكتابة¡ ومناقشات للإصدارات الجديدة¡ وفتح أبوابها للجمهور الثقافي لينهل الشّهد الأصلي منها لا من جهات متطفلة على الصنعة.




http://www.alriyadh.com/1771809]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]