يروي البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم¡ فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده¡ فقعد عند رأسه¡ فقال: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له: أطع أبا القاسم¡ فأسلم¡ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. يُروى هذا الحديث في باب زيارة المريض والذمي خاصة¡ ويستدل به على آداب الزيارة من النصح للمريض وجواز دعوته إلى الإسلام¡ إضافة إلى فوائد أخرى. لكنني أجد في موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام اليهودي شاهداً على ما يعرف بنموذج نقطة التحول أو الذروة في إدارة التغيير.
يعتمد نموذج التحول من حيث المبدأ على وجود وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى التغيير حتى تبلغ ذروة ما ينتج منها تحرك نحو التغيير. وتختلف الذروة حسب كل حالة سواء كانت في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الإداري¡ لكن ما يجمعها هو الوصول إلى مرحلة ربما نصفها بالحرجة حتى لا يعود بعدها من رغبة سوى التغيير¡ ومثال الفتى اليهودي شاهد على ذلك. من فهمنا للحديث أن الفتى اليهودي يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف الرسالة بما يكفي ليكون رأياً استقر في نفسه ربما أخفاه¡ على الأقل عن والده. والده كذلك¡ بما أنه جار للنبي صلى الله عليه وسلم¡ يعرف عن الرسالة ما يكون به رأياً وموقفاً من الإسلام وأهله. إلا أن الابن ووالده كليهما بلغا الذروة عند مرض الابن¡ حيث عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام¡ فلم يكن بد من أن يبدي الولد موقفاً¡ لعله يكون قديماً ومستقراً في نفسه¡ عبر عنه باستئذان أبيه الذي ربما رقّت نفسه لابنه شفقة عليه. في المقابل¡ وجد الأب نفسه في موقف الذروة¡ مع قناعة في نفسه أن استجابة ابنه للدعوة ستنجيه¡ فكان أن وجه ابنه صراحة بقبول الدعوة.
كانت نتيجة وقوف الابن والأب أمام الحقيقة في وقت نسميه الذروة¡ وهو هنا المرض أو الموت سبباً في قبول الدعوة. إنها لحظة جعلت الاثنين يكشفان عن موقفهما الحقيقي من الرسالة وأن يبوحا به سواء استجابة في حالة الابن أو إقراراً في حالة الأب. لذلك نجد أن ما يطلق عليه نقطة التحول أو الذروة اليوم يفسر ما جرى للفتى اليهودي الذي أسلم¡ وهو موقف دال على أن التغيير أحياناً يحتاج إلى وقت ملائم بحيث يتحول الرأي أو القناعة إلى تحول أو تغيير. ويوافق مفهوم نقطة التحول ما عرضت له في المقالة السابقة من نموذج كوتر¡ حيث يرى كوتر أن بدء التغيير يتطلب استشعار أهميته من خلال أزمة مرتقبة وهو ما يوافق مفهوم الذروة هنا




http://www.alriyadh.com/1771970]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]