أرى أنّ من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها هي إعادة النظر في جميع الأنظمة والتشريعات¡ خصوصاً تلك المرتبطة بالحقوق والمعاملات التجارية لأنها ستعطي ثقة كبيرة في السوق المحلي للمستثمر والمستهلك في آنٍ واحد..
يقول لي صديق إنه تورط مع شركة "خزائن" من دولة خليجية مجاورة¡ لها فرع في الرياض¡ فقد تعاقد معهم من أجل عمل الأثاث الثابت في بيته مع المطابخ¡ وكان يفترض أن تقوم الشركة بإنجاز العمل قبل ثلاثة أشهر¡ وحتى الآن لم تنجز العمل¡ المشكلة أن الشركة استلمت كافة مستحقاتها المالية وهذا شرط للبدء في العمل¡ وعندما اشتكى صاحبي لوزارة التجارة بلغوه أنهم سيحاولون الاتصال بالشركة وديّاً لأنهم ليسوا مسؤولين عن مثل هذه الشكاوى¡ وإذا لم يستجب سوف يتصلون بوزارة التجارة في الدولة المجاورة¡ والأدهى والأمرّ أن جميع المحامين الذين اتصل بهم بلغوه أن يقوم بالتفاهم مع الشركة وديّاً لأن الموضوع سيطول في المحكمة وسيتعطل العمل في المسكن ولن تكون النتيجة مرضية ومجدية لأنه لا يوجد تشريع يدعم هذه الحقوق¡**بصراحة اتصلت مباشرة على صديق في تلك الدولة فأبلغني أنه لا يجرؤ على فعل هذا الأمر في بلده لأن القانون يجرمه.
الحقيقة أنني توقفت كثيراً عند هذا الحدث الغريب فكيف لا تحفظ الأنظمة والتشريعات حقوق المواطنين وتجعل شركة من خارج المملكة تعبث بحقوق الناس ولا تحرك وزارة التجارة ساكناً¡ يبدو لي أن الأمر لا يتوقف عند هذه المشكلة الصغيرة¡ بل إن مشكلة الأنظمة والتشريعات ضاربة عروقها في النشاط التجاري والحقوقي وأن عدم وضوح هذه التشريعات وعدم القدرة على ضبط تنفيذها لا يخدم أبداً خطة 2030 التي يفترض أن توفر المناخ الاستثماري والحقوقي الشفاف الذي يعطي كل ذي حق حقه.
يجب أن ننظر إلى ما تمارسه هذه الشركة من عمل فيه استهتار بالحقوق على أنه نوع من الثقة لدى هذه الشركة¡ إنه لن يمسها أحد بسوء ولن يتم محاسبتها وعلى المتضرر أن "يفلق رأسه في الحيط"¡ فهي تتصرف بثقة ودون أن يرف لها طرف¡**إنه أمر يثير الاستغراب¡ فكيف يمكن أن تكفل الحقوق دون تطوير للتشريعات كي تصبح واضحة¡ والأهم من ذلك أن تضبط الإجراءات القضائية بحيث لا يتضرر صاحب الحق¡ هذه معضلة كبيرة لا أجد هناك حراكاً واضحاً لإصلاحها¡ وأرى أن من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها هي إعادة النظر في جميع الأنظمة والتشريعات خصوصاً تلك المرتبطة بالحقوق والمعاملات التجارية لأنها ستعطي ثقة كبيرة في السوق المحلي للمستثمر والمستهلك في آن واحد¡ نحن لسنا بحاجة إلى فقاعات تنظيمية من وزارة التجارة أو غيرها من المؤسسات الحكومية بينما الواقع التشريعي في الأنشطة المسؤولة عنها تلك المؤسسات يعاني من ثغرات حقوقية فادحة¡ بل نحن بحاجة إلى عمل مؤسسي شامل يكفل الحقوق ويحدد الواجبات ويعطي كل ذي حق حقه¡ أما أن تترك التنظيمات على عواهنها ولا يتم تطويرها كي تكون مواكبة لرؤية 2030 فإن هذا من مسببات تباطؤ التحول وأحد أهم عوامل فقد الثقة في السوق المحلية¡ الأمر ليس مرتبطاً بالمشرع فقط¡ بل بالمنظومة القضائية بشكل عام التي يفترض أن تواكب التحولات الكبيرة التي تمر بها المملكة وأن تعكس التطلعات الكبيرة لولاة الأمر في جعل المملكة ملتقى دولياً للاستثمار¡ وفضاءً تلتقي فيه ثقافات العالم.
في اعتقادي أنه حتى تنجح أي خطة تنموية يجب البدء بالإصلاح الإداري والتشريعي¡ أي إعادة هيكلة المؤسسات ونظمها التشريعية والتخلص بشكل كامل من ثقافتها القديمة البالية¡ الإصلاحات الجزئية للمؤسسات يبقي شيئاً من الثقافة القديمة الفاسدة التي سرعان ما تعاود انتشارها من جديد¡ والتشريعات التي يصاحبها إجراءات واضحة مع هيكل إداري جديد دون شك هو ما نريده لفضائنا التنموي والحقوقي¡ أما الحدث الذي أثارني¡ الذي قد يراه البعض بسيطاً ولا يستحق التهويل¡ هو الذي نبهني إلى وجود هذه الفجوة الحقوقية التشريعية الملفتة للنظر التي أكد لي وجودها العديد من الحقوقيين الذين استشرتهم.




http://www.alriyadh.com/1776551]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]