مع كل أزمة تتجدد الهوية ومع كل يوم وطني تتصاعد هذه الهوية لتحتل الذاكرة¡ كل الذاكرة¡ لتجعل من الارتباط بين المكان والناس ظاهرة سعودية متجددة تكيد الأعداء وتؤكد لهم أن ما يقومون به من تخريب هو مجرد عبث ولن يتحقق لهم ما يريدون لأنهم يواجهون شعباً في رجل واحد..
كأن الأحداث التي تمر بنا تريد أن تذكرنا بهويتنا الوطنية وبانتمائنا إلى هذه الأرض الطاهرة. كأنها تقول لنا إن الأخطار المحدقة بنا هي قدرنا في أرض الجزيرة¡ أرض الحرمين وقبلة المسلمين. تفتح عيوننا على القدرات الكبيرة التي نملكها ويجب علينا أن نوظفها لتصب في قوة بلادنا. الأحداث المفجعة التي أصابت محطات النفط في بقيق هي رسالة موجهة لكل مواطنة ومواطن سعودي. إنها رسالة تتحدى وجودنا وتحاول أن تعبث بمستقبلنا. في المقابل اليوم الوطني يشحذ هممنا ويزيد من عزيمتنا لمواجهة هذا التحدي. ثنائية الأزمة والهوية¡ التحدي والاستجابة هي جزء من وجودنا في هذه المنطقة المشتعلة من العالم التي تحتاج منا اليقظة. الاعتداء على بقيق هو اعتداء على محركات الوطن الاقتصادية¡ وكما وصفه ولي العهد -حفظه الله- هو اعتداء على العالم ومصادر الطاقة التي تحرك اقتصاده. لكن مع كل أزمة تتجدد الهوية ومع كل يوم وطني تتصاعد هذه الهوية لتحتل الذاكرة¡ كل الذاكرة¡ لتجعل من الارتباط بين المكان والناس ظاهرة سعودية متجددة تكيد الأعداء وتؤكد لهم أن ما يقومون به من تخريب هو مجرد عبث ولن يتحقق لهم ما يريدون لأنهم يواجهون شعباً في رجل واحد.
علاقة الأزمة¡ أي أزمة بالهوية هي علاقة طردية وكما قال الشاعر: "جزى الله الشدائد كل خير...عرفت بها عودي من صديقي" ولكننا نقول جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها قيمة نفسي ووطني وزادتني به تعلقاً وأعادت لي مفهوم الانتماء وماذا يعني أن تكون جزءًا من وطن يحمي كرامتك ويسهر على أمنك ويفتح آفاق المستقبل أمام أبنائك. الشدائد والأزمات تجعلنا نكتشف أنفسنا¡ ونتعرف على هويتنا الداخلية وماذا نحن ومن نكون. تجعلنا نواجه مسألة وجودنا¡ فنحن نواجه مخاطر جدية والأمر ليس هزلاً وهو ما يجعلنا نقول كم يستحق هذ الوطن أن تضحي من أجله وأن ندافع عن وجوده وكرامته وأن نساهم في قوته. ربما أيقظت أحداث بقيق "وعي" الهوية في أبسط درجاتها العفوية التي تعني الارتباط والوجود¡ ولعلها أثارت لدى البعض الشعور بأننا نملك هذا الوطن ويجب أن نذود عما نملك. لكنها بكل تأكيد زادتنا تماسكاً وإصراراً على الدفاع عن وطننا بكل ما نملك من قوة ومال وأن نبذل من أجل وجوده وقوته النفس والنفيس.
الهوية والانتماء ليسا مجرد شعور عابر بل هما تجربة وممارسة وذاكرة عميقة¡ ربما البعض لم يرَ بقيق في حياته لكن كوني من أبناء الهفوف فقد كانت بقيق و"قزوزها" التي تتصاعد منها النيران علامة منتصف الطريق بين الأحساء والدمام. ورغم أن تلك النيران التي كنا نراها عن بعد ونعلل أنفسنا بها أثناء الطريق اختفت إلا أن هذه المدينة الوادعة ظلت جزءًا من الحياة المعاشة التي تشعل الذاكرة. الاعتداء على هذا السكون وتلك الوداعة¡ رغم ما يحمل من أبعاد اقتصادية خطيرة¡ هو اعتداء على ذاكرة الوطن وعلى تاريخنا وممارستنا للحياة. إنه اعتداء صارخ على حقنا في الحياة الكريمة وهذا ما لا يمكن أن نقبله أو أن نرضى به. ورغم أنني ضد قيام أي حرب في المنطقة لكن إذا ما دعت الضرورة لها فلتكن¡ فلن نسمح لإيران أو غيرها أن تهددنا في عقر دارنا أو أن تحرك خفافيشها لضعضعة أمننا وتخريب اقتصادنا.
نحن أمام خيارات صعبة¡ لكنها جزء من تجربتنا في إثبات حق الوجود والتعبير عن قدرتنا على الوقوف أمام أعدائنا¡ ليس فقط عسكرياً بل اجتماعياً وثقافياً وعلمياً واقتصادياً. ولعل مناسبة اليوم الوطني التي نعيشها هذه الأيام تعيد لأذهاننا أن هذا اليوم ليس لمجرد الاحتفال والابتهاج¡ وبالطبع يحق لنا ذلك¡ ولكنه يوم لشحذ الهمم والتذكير بقيمة الوحدة والأمن والاستقرار. اليوم الوطني يجب أن يحثنا على العمل¡ كذلك ممارسة الهوية يجب أن تحثنا على التماسك والوحدة. كل أزمة هي درس بكل تأكيد¡ والضربة التي لا تكسر ظهورنا تقوينا¡ ونحن الآن بإذن الله أقوى من قبل والاعتداء الجبان علينا من خفافيش الظلام لن يزيدنا إلا إصرراً على مواجهة الأعداء حتى يرد الله كيدهم في نحورهم.




http://www.alriyadh.com/1777789]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]