إن جميع مراحل التحول الاجتماعي التي يقصدها الباحثون¡ لا تنفك أن تمر بصعوبات وتقلبات تتسم بالدراما¡ وهذا كان واضحًا في تحولات أغلب مجتمعات الوطن العربي في فترة الستينات..
إن الوجدان والعاطفة هما مكمن الإحساس لدى الفرد¡ ولكن العقل هو ما يعمل على اعتدال كفتي التوازن لتحقيق ذلك الاتزان النفسي إن جاز لنا التعبير.
والحقيقة أن الشعوب العربية قد أمضت فترة ليست بالقصيرة في استخدام العاطفة¡ وقد كتبنا كثيرًا في أهمية وجود حس مرهف ووجدان دافق¡ لتحقيق الهدأة النفسية والتلاحم الاجتماعي¡ لكن في هذا الوقت من الطفرات التغيرية في مجتمعاتنا¡ كان يجب أن نلتفت إلى أهمية إعمال العقل¡ الذي قد تنحى جانبًا ردحًا من الزمن نتاج بعض الثقافات الخاطئة.
إن التغيير نحو التنوير قد استوجب علينا أن نشتغل على إعمال العقل في كل أمور الحياة¡ خاصة في مناهجنا التعليمية والفكرية¡ وذلك لكي نكون على ثقة ووعي باتخاذ القرار¡ وهو الفعل المتلازم مع التقدم في تاريخ الأمم نحو عصر نهضة جديد.
فإذا ما تأملنا التاريخ الأوروبي قبل عصر النهضة¡ فسنجد ذلك الفعل التخديري الذي دأب عليه الفكر آنذاك هو إلغاء العقل¡ ما جعلها تسبح في غياهب ما يسمى العصور المظلمة¡ إلا أن نشاط تيارات الفكر الأساسية وروافدها التي تلاطمت على الساحة¡ كان لها النصيب الأكبر في صياغة المزاج الفكري للإنسان المعاصر¡ بل هي من قاد تلك الدول إلى عصور النهضة والتقدم وانهيار الإمبراطورية الرومانية آنذاك مع أولى شعلات التنوير.
إننا وفي هذا الوقت نحيا لحظات مذهلة من انبثاق الوعي والتنوير¡ وما تقوم به مؤسساتنا من هذا الفعل التنويري يحتم علينا أن نأخذ بهذه الشعلة التنويرية لقيادة المجتمع الذي اعتاد إعمال العاطفة وإغفال وظائف التفكير والعقل عبر ترسانة من المكتبات المدججة بالكتب¡ التي يصعب علينا التخلص من وظائفها¡ ولذلك فنحن الآن بصدد دراما التحولات التي يجب علينا قيادة دفة هذا الصراع بحنكة وعقل وشفافية وتفكير مستلهم عن علم ودراية.
يقول (كرين برينتون) في كتابه "تشكيل العقل" في هذا الصدد: "لم يكن التحول من جاهلية العصور الوسطى إلى العصر الحديث سهلاً¡ بل كان صراعًا طاحنًا ومعارك وانقسامات واتهامات بالكفر والزندقة وأحكامًا بالقتل والتعذيب والحرمان". وهو في ذلك كان يشير إلى ذلك الحد الفاصل بين نهاية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة والتنوير¡ ومما لا شك فيه أننا كلنا نعلم كم الإعدامات الهائل للعلماء والمفكرين¡ الذين لا يتسع هذا المقال لذكر أسمائهم¡ إلا أن ذلك كان نتاج الصراع الدرامي بين كفتي التحولات وإبقاء الحال على ما هو عليه¡ كما نرى في نهاية مسرحيات الكاتب المسرحي الشهير (ويليام شكسبير)¡ الذي يبقي الحال على ما هو عليه في نهاية النص الدرامي هربًا وإبقاء على مسرحه وعلى رقبته¡ خاصة كل ذلك التعسف الذي لحق بالفرق المسرحية المعاصرة له¡ الذين تم سجنهم وإغلاق مسارحهم.
إذن المسألة تكمن في تلك الدراما الكامنة في ثنيات المجتمع¡ التي قد تطفو على السطح دفاعًا عن مقتنياتها الفكرية القديمة وبين تلك النظرة التطلعية المستنيرة لمستقبل تنويري يخرج المجتمعات من دوائر العاطفة إلى مدارات العقل التنويري.
إن جميع مراحل التحول الاجتماعي التي يقصدها الباحثون¡ لا تنفك أن تمر بصعوبات وتقلبات تتسم بالدراما¡ وهذا كان واضحًا في تحولات أغلب مجتمعات الوطن العربي في فترة الستينات¡ لكن التحولات تفرض نفسها وتقاوم كفة الصراع في دراماتيكية مستفيضة¡ للوصول إلى رؤية جديدة رغم مقاومة بعض الفرق أو قل جماعات كانت جميعها بالأمس القريب رافضة كالعاصفة المدمرة¡ لكن ليس ذلك بمخيفº لأن الصراع الدرامي الذي تدارسناه أن من يتقن حرفته¡ فعليه إيجاد الحل في نهاية المسرحية¡ ذلك أن الحوار في العمل المسرحي هو الفيصل¡ وهو الذي يتميز به الفعل المسرحي¡ الذي يؤدي في نهاية العمل إلى نوع من التطهير كما أطلق عليه أرسطو. ومن هنا كان الحوار هو تلك الأداة الفعالة لخلق نوع من التوازن فيما تمر به المجتمعات من حزمة ليست هينة من التحولات نحو التنوير والعقل والنهضة وإعمال العقل.
يقول برينتون: "لعل بؤرة الصراع ومحور النهضة هو تأكيد قيمة الإنسان وفعاليته وإيجابيته في شؤون الحياة.. فسقط الوهم وتحرر من الزيف¡ ونهج نهجًا جديدًا في تحصيل المعرفة ليتخذ منها عدة وزادًا لبناء حياة أفضل¡ فامتلأت نفسه بالأمل¡ وأكد سيادته على الطبيعة".
إننا نستشعر بأن ثمة حاجة إلى بعض القوة¡ وإلى نوع من الإيمان بالتوازن الاجتماعي في تحولاته هذه وممارساته علميًا بغية تحقيق هذا التوازن¡ ونخرج من النزعة الفردية ومن التطرف¡ إلى البنية الاجتماعية الجماعية المتوازنة في ظل ما تمر به بلادنا من تحديث¡ خاصة رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله 20/30 فما هي إلا فعل تنويري نهضوي¡ يجسد كل معنى لاستخدام العقل وسلطته المستفيضة على كل الأشياء¡ وهو ما حثنا الله عز وجل عليه في كثير من الآيات (التفكُر¡ والعقل) نحو عصر نهضة جديد يدونه التاريخº ولا عزاء للحاقدين والمدلسين والطامعين¡ وغير أولئك الذي نحَّوا العقل جانبًا ردحًا من الزمن!




http://www.alriyadh.com/1781538]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]