تابعت باهتمام كبير الأسبوع الماضي افتتاح "موسم الرياض" بحفل رائع من إحياء الفرقة الكورية العابرة للحدود واللغات "بي تي إس"¡ إذ كانت حفاوة الحضور بها مفاجئة بالنسبة لي¡ ليس فقط في مدة العرض والتفاعُل معه¡ وإنما بداية من بادرة نفاد التذاكر في توقيت قياسي¡ مرورًا بتظاهُرة الترحيب الجياشة التي تواصلت منذ الإعلان عن إقامة الحفل على مواقع التواصُل الاجتماعي وخاصةً بين أوساط**المراهقين¡ لتُحيي حفلها الأول بالمنطقة بعد عرضها الأخير في دبي عام 2016. الحق أن طوفان الشعبية ذاك كان مذهلاً¡ وإن دل على شيء إنما يدُل على مستوى شديد التقدُم من التلاقي الثقافي بين الحضور وأعضاء الفرقة¡ لاسيما إذا كان بحق فرقة تحترف غناء البوب¡ وأعضاؤها السبعة بعُمر الشباب¡ ويتحدثون لغة مغايرة للغة الأم لكافة الحضور.
ما جعلني أتوقّف لدى حفل "بي تي إس" دون غيره¡ كان الفئة العُمرية التي خاطبها الفتيان الكوريون وخطبوا ودهم بكُل جدارة¡ الأمر الذي دفعني للتساؤل حول مسوّغات الهوس بهذه الظاهرة الشبابية¡ وصداها العالمي عمومًا¡ والعربي على وجه الخصوص. ببحث سريع عن قصة صعود الفريق¡ نستطيع أن نستشف خصيصة جوهرية بشأنه¡ رُبما يكون لها الأثر الأكبر في مسألة الشعبية الشبابية الكُبرى¡ وهي نوعية المضامين والرسائل التي يطرحها المحتوى الذي تقدمه الفرقة: كونه شبابيًا من الألف إلى الياء كلمةً وموسيقى وأداء¡ ومن ثم فهم يطرحون مشروعًا فنيًا معبرًا عنهم بالكامل دون ذرة تدخُل¡ فضلاً عن الموضوعات ذاتها**التي تتماس بشكل مُباشر مع حياة المراهقين وأزماتهم الوجودية ومفردات عصرهم وحتى ألوانهم وأزياؤهم¡ والتي تجعل فن "بي تي إس ذاك" عابرًا بحق لحاجز اللغة والثقافة وكل شيء.
الفتيان الكوريون أولئك ظاهرة عالمية لاشك. غير أنني لا أعتبر قاعدتهم الجماهيرية العريضة لدينا وليدة جدة عروضهم ومخاطبتهم مراهقينا بلغتهم فحسب¡ وإنما أرى في الأمر بُعدًا أعمق يتصل بإحدى نظريات التأثير الإعلامي "الغرس الثقافي"¡ الغرس الثقافي الذي يتولد من جراء تراكُم التعرُض للمحتوى الإعلامي مرة بعد مرة على مدى زمني طويل نسبيًا¡ ويعتبر واضع النظرية الباحث الأميركي "جورج جربنر" أن حكي قصص الثقافة على هذا النحو من شأنه أن يحكّم السلوك البشري¡ لا أتحدث عن غزو وحكم عسكري بالدبابات والطائرات¡ وإنما عن تغلغل ثقافي عبر الفنون والعناصر الثقافية التي تضع** هوية مجتمعاتها تحت المجهر في مرمي نظر الأجيال الصاعدة. السؤال هنا¡ ليس عن شعبية "بي تي إس"¡ بقدر ما هو السؤال عما نطرحه نحن كبذرة للغرس الثقافي في المجتمعات الأخرى¡ أو أن الأمر ليس على قائمة أولوياتنا!




http://www.alriyadh.com/1782914]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]