يقول هارولد بلوم في نهاية كتابه "كيف نقرأ ولماذا¿": "أما وأنني قد بلغتُ التاسعة والستّين¡ فإنّ الأسئلة المطروحة حول كيف نقرأ ولماذا هي أساسية الآن بدرجة أكبر مِن أي وقتٍ مضى في سبيل أي عمل ينبغي لنا أن نقومَ به".
عاش القارئ النهم بلوم عشرين عامًا أخرى¡ حتى توفي قبل أيام وقد ناهز التاسعة والثمانين خريفًا¡ ولا يزال مثقلًا بهّم أسئلة القراءة¡ شغوفًا بنقل عصارة حياته مع الكتب والأفكار¡ هذا المفكر الذي لم يتعلم اللغة الإنجليزية إلا في عامه السادس¡ متأثرًا بشقيقاته اللواتي تعلمن الإنجليزية في المدرسة¡ كون والديه لم يكونا يتحدثان إلا باللغة اليديشية! أضحى آخر عمالقة نقد الأدب الإنجليزي في القرن الواحد والعشرين.
أغرم بلوم منذ صغره وهو لم يتجاوز التاسعة بقراءة القصائد¡ كما تعرف مبكرًا على شكسبير¡ الذي سيمسي لاحقًا نموذجه الأعظم للمنتج الأدبي¡ كان يقرأ الأشعار لشعوره بالوحدة¡ ولاعتقاده أنها قد "تتحول يومًا إلى أشخاص" على حد قوله¡ ما جعل البعض يشيع أنه كان قادرًا على قراءة ألف صفحة خلال ساعة واحدة! بينما يؤكد هو أن أقصى استطاعته هو قراءة أربعمائة صفحة في الساعة الواحدة فقط!
هذه القراءة المستمرة والعميقة أنتجت مخزونًا معرفيًا متدفقًا¡ ليصدر أستاذ الدراسات والأدب المقارن بجامعة ييل عدة كتب مرجعية¡ أهمها سفرٌ ضخم أطلق عليه اسمًا لافتًا: "المعتمد الغربي"¡ أرّخ فيه لعيون الأدب الغربي¡ عبر مسحٍ جغرافي لأمهات الأعمال الأدبية في أوروبا وأميركا منذ القرن الرابع عشر حتى القرن العشرين¡ منتقيًا نصوصًا تأسيسية¡ يرى أنها تشكل علامة فارقة في تشكيل الوجدان الأدبي¡ مثل نصوص: شكسبير¡ دانتي آلليجيري¡ موليير¡ جوته¡ تشالز ديكنز¡ ليو تولستوي¡ كافكا¡ بورخيس¡ بابلو نيرودا¡ وغيرهم. بالطبع اختياره لم يكن معتمدًا على تسلسلٍ زمني محدد¡ بل وفق نوستالوجيا قراءته الذاتيةº أي الكتّاب الذين مارسوا تأثيرًا عميقًا في تكوينه الثقافي¡ محاولًا الإجابة عن سؤاله الدائم: ما الذي يجعل كاتبًا ما مرجعًا أدبيًا على مدار التاريخ¿
لم يبخل بلوم على نقل تجربته الثرية في عالم القراءة¡ ففي كتابه الشهير "كيف نقرأ ولماذا¿" يؤسس لخمسة مفاتيح تمكّن من استعادة ممارسة القراءة¡ لكنه يدعو أولًا إلى التحرر من القراءة المهنية السائدة¡ عبر استرجاع الأسلوب الرومانسي السابق تجاه الكتب¡ حينما كانت القراءة أعظم المتع وقمتها¡ وكانت مصدرًا للاكتشاف والدهشة.
يرى بلوم أن القراءة مدخلٌ أساسي لإصلاح الذات¡ وتقوية النفس¡ والتعرّف على الاهتمامات الأصلية¡ بل إن حبه للقراءة يكاد يجعله يحصر وظيفة الإنسان في "البحث عن الكتاب الذي يكتشفُ نفسَه فيه¡ والبحثِ عن القصّة التي تحكيه".. رحل بلوم وقد اكتشف نفسه عبر القراءة¡ وخلّد منتجه في كتبه التي أضحت مرجعًا للنقاد.. بقي أن نبحث نحن عن الكتاب الذي يفصح عن أنفسنا يحكي قصتنا..




http://www.alriyadh.com/1782910]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]