يخبرنا بيتر هاندكه الحائز على نوبل 2019¡ أن اللغة تغيّر الكاتبº لأن هذا ما يحدث له حين يكتب باللغة الفرنسية¡ يقول أيضًا في مقابلة قديمة أجراها معه فرانسوا بوسنيل في برنامجه "لا غراند ليبريري" (المكتبة الكبيرة)¡ إن الكتابة أكبر مغامرة عرفها في حياته¡ فمادته تصله حين يبدأ بالكتابة¡ "أنا لا أملك خططًا لما أكتبه¡ لا أخطط سلفًا¡ أتفاجأ كثيرًا بسلوك شخصياتي¡ وهذا ما يجعلني أكتب¡ أنا لا أتحكم في مصائرها¡ بل أتفاجأ بها¡ لهذا أستمر في الكتابة".
لم يكتب هاندكه باللغة الفرنسية سوى نصوص قليلة¡ منها ما كان سيناريو لبعض الأفلام التي اشتغلها مع صديقه المخرج فيم ويندرس¡ لكنّه يعبّر بها جيدًا عن نفسه في حواراته. صحيح أنّه مقلٌّ في الكلام¡ وتصعب مطالبته بتفسير بعض الأمور التي وردت في نصوصه¡ بحكم قصر ذاكرته كما يدّعي¡ "يسألني أحيانًا بعض الناس: لماذا قلت كذا أو كذا في روايتك¿ فأجيب أني لا**أتذكّر" كل ما يقوله متكلمًا يُعتبر تأكيدًا لأسلوبه في الكتابة¡ باعتماده تلك الجمل القصيرة المكثفة¡ حتى حين يطلق مزحة¡ نحتاج لعدّة ثوانٍ لاستيعابها لشدة إبهامها و"برودتها"..
هذا الكاتب الذي لفت الأنظار بمواقفه المتطرّفة تجاه الحرب في يوغوسلافيا السابقة¡**بدا في أكثر من ظهور غير مبالٍ بتقييمات الإعلام له¡ لقد دخل مغامرته الكتابية وهو يعرف أنها مدججة بالمفاجآت السارة مثل نيله "نوبل"¡ وغير السارة مثل تسجيل موقف**واضح وصريح تجاه صديقه سلوفودان ميلوسوفيتش رغم التهمة الثقيلة التي تتلبسه كمجرم حرب¡ وقد دافع عن نفسه ببلاغته المعروفة "ميلوسوفيتش لم يكن بطلاً¡ إنه إنسان مأساوي¡ وأنا كاتب ولست قاضيًا".
نقف حيارى أمام هاندكه¡ هل هو شخصية قدرية أم شخصية مستفزّة أم متطرّفة¡ فالسمة التي يتصف بها أكثر من غيرها هي الغموض¡ وكلما سئل ليوضح نفسه ازداد غموضًا¡ مع أنه بدون أقنعة¡ ويواجه العالم بكل مساوئه غير عابئ بتقييم الآخرين له. وكل هذا الجدل الذي حدث والحبر الذي سال ضد الرّجل¡ يبدو غريبًا¡ كونه صبّ في نقطة واحدة لا علاقة لها بأدبه¡ كما لا علاقة لها بأخلاقه الأدبية. فمن بعض ما أضحكني مما كُتِب ضد هاندكه كان لكاتب عربي نصف أدبه مسروق¡ وفي حوزته نصف الجوائز العربية¡ لكن إدانته أصعب بكثير من إدانة الكاتب النمساوي¡ الذي ولد وترعرع وكبر وشاخ في الوسط الأوروبي¡ وهو لا يعكس سوى العقلية الأوروبية بحسناتها وسيئاتها¡ وفوق ذلك نحن متأكدون على الأقل أنّه ليس لصًا¡ وأنّه نال "نوبل" بجهده واجتهاده.




http://www.alriyadh.com/1782912]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]