بعض ما تراه وتعايشه من وقائع وشخصيات في عالم اليوم سيصبح تاريخًا أنت شاهده¡ ولكن هل سيروي المؤرخون ما عاصرناه كما ينبغي أم سيكون صورة لرؤية وهوى هؤلاء المؤرخين وحساباتهم¿ الواقع يقول إن نسبة لا بأس بها من وقائع التاريخ التي أثبتها المؤرخون غير صحيحة أو تخلو من الدقة. وقد اتضح هذا بشكل خاص بعد اجتماع الوثائق في عصر المعلوماتº حيث تكشفت كثير من الحقائق من بين ركام الأغاليط التاريخية.
ولعل العالم ابن خلدون (1332-1406م) في مقدمته المذهلة أحد أوائل من نبّه إلى مسبّبات الأخطاء في كتابة تاريخ الشخصيات والشعوب والوقائع. ويعزو ابن خلدون هذه الأخطاء إلى أسباب كثيرة¡ منها: التشيع للآراء¡ الثقة برواة الأخبار¡ وعدم فهم المقاصد¡ وكذلك تزلّف بعض المؤرخين للشخصيات وذوي المناصب¡ وهكذا. ولكن حتى هذا العبقري ابن خلدون لم يسلم من النقد والاستدراك على رواياته التاريخية وآرائه التصحيحية في مقدمته.
وعلى سبيل المثال¡ تظهر وثائق كثيرة تدحض الرواية الشائعة عن حرق القائد المسلم طارق بن زياد لسفنه حينما وطأت أقدام جيشه أرض الأندلس. وأصل الرواية ورد في المصادر الأوروبية¡ ولم يورده المؤرخون المسلمون الثقات في عصره¡ ولم يروَ عن القادة المشاركين قصة مثل هذه. وحول ذلك ما رُوي عن هارون الرشيد¡ الذي اشتهر بالعلم والعمل¡ إلّا أن الشعوبيين والحكواتية أظهروه حاكمًا لاهيًا بين الجواري والملذات. وحتى القائد والحاكم بهاء الدين قرقوش¡ الذي أظهرته بعض الروايات التاريخية في صورة الظالم غريب الأطوار¡ في حين تكشف روايات أكثر مصداقية¡ أنه كان قائدًا فذًا ضمن قواد صلاح الدين¡ الذين ثبتوا له أركان دولته في مصر وغيرها.
وفي تاريخ العالم أيضًا سجالات وجدال حول كثير من وقائع التاريخ¡ ومن ذلك قصة اكتشاف أميركا¡ وهل كان من اكتشفها فعلاً كريستوفر كولومبس أم البحار الصيني المسلم "شينغ هي"¡ أم العالم "البيروني"¡ ناهيك عن روايات تؤكد أن "الفايكنغ" هم من اكتشف القارة الأميركية في رحلاتهم البحرية الشهيرة. وتأسيسًا على ذلك¡ فسيستمر المؤرخون في التدوين¡ وستكون هناك مساحة للهوى والأخطاء البشرية¡ بل من المتوقع في المستقبل أن يكون الناس أكثر تشويشًا حيال وقائع تاريخية معينةº نظرًا لكثرة المعلومات في المخازن الرقمية¡ أضف إلى ذلك جودة أساليب التزييف في الحقائق والوقائع.
قال ومضى:
سيكتب لك التاريخ صفحته¡ والسؤال: ما عنوانها¿




http://www.alriyadh.com/1784488]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]