هناك أمكنة معينة يرتاح المرء عندما يذهب إليها بانتظام¡ أو حسب الحالة التي يكون فيها¡ هناك من يرتاح عندما يواظب على الذهاب إلى أحد الملاعب¡ رغم أنه لا يمارس أي لعبة¡ لكنه يحب الفرجة والاختلاط باللاعبين¡ بل إن هناك من يجد راحته في الرعاية والصرف على أحد أندية الحواري¡ يستأجر الأرض¡ ويؤمن الملابس والكرات¡ ويداوم يوميًا في الملعب لتصريف الأمور¡ وهناك من يذهب عدة مرات في اليوم إلى المقهى¡ يشرب القهوة والشاي ويبحلق في الخلق!
الآن تعددت الأسباب التي تجعل الناس يذهبون إلى المقاهي¡ حتى أصبحت بعض المقاهي نسخة من دور السينما والملاعب والأندية الثقافية¡ وفي دول العالم مقاهٍ ذات مستويات¡ بل إن هناك مقاهي لأصحاب الحرف وأخرى للأدباء والمثقفين والفنانين¡ وكل مقهى من هذه المقاهي له أسعاره.
وقد ظل المقهى حاجة أساسية لتفريق الهموم ولقاء الأصدقاء والمعارف¡ وستدهش إذا عرفت أن عديدًا من الكتاب¡ أخرجوا أعمالهم من المقاهي¡ وأن عديدًا من الفنانين يعقدون ورش العمل الخاصة بأفلامهم أو مسرحياتهم في المقاهي! والرياض المدينة الضاجة بحركة الناس والأعمال¡ كانت تضم حتى وقت قريب مقاهي على أطراف الأحياء¡ في وسط المدينة وخارجها¡ مقاهي يرتادها الناس هربًا من ضيق النفوس¡ وقلة الأصدقاء¡ وضيق المنازل. وفجأة¡ صدر قبل سنوات قرار بترحيل المقاهي إلى خارج المدينة بحجة حماية البيئة¡ هذا القرار¡ كان سببًا مباشرًا في نشوء الاستراحات¡ وزيادة الشقق المفروشة بالتزامن مع ظهور المقاهي الضخمة¡ التي تضاهي ملاعب كرة القدم! امتثالاً لذلك القرار أقفلت كل المقاهي الصغيرة التي كان يرتادها سكان الحي¡ ورحل الناس إلى المقاهي والاستراحات خارج نطاق المدينة.. أما الذين لديهم استراحات فقد عدوها منازل إضافية¡ ففيها يطبخون وينامون أحيانًا¡ وهي حالة لم تكن منظورة في مجتمعنا..
وقبل شهور صدرت قرارات جديدة بزيادة الضريبة على التبغ¡ وبعد ذلك على المقاهي. هذه القرارات - مع الأسف - لن تجعل المدخن يهجر التدخين¡ فمن كان يذهب إلى المقهى فسيهجره إلى الاستراحة الخاصة أو المنزل¡ ومن كان يشتري الدخان فلن يعدم وسيلة لجلبه مع رحلاته الخارجية¡ بل إن مقاهي كثيرة بدأت تفقد كثيرًا من روادها¡ مع الارتفاع الحراق لأسعار الطلبات. وفي كل الأحوال الجلوس في المقاهي وتحت الأضواء أفضل وآمن لشبابنا من الاستراحات والشقق المفروشة¡ نتمنى أن نسمع قرارًا يعيد الأمور إلى ما كانت عليه¡ وتعود مقاهي الأحياء الصغيرة والهادئة¡ فليس مثلها مكان لامتصاص أوقات فراغ الموظفين والمتقاعدين الذين يعانون الأمَرَّيْن في ذهابهم وعودتهم من مقاهي الأطراف.
إن العواصم الراقية مثلما تباهي بمسارحها وفنونها تباهي بمقاهيها¡ أما العادات السيئة¡ ومن ضمنها التدخين¡ فلا أحد - مع الأسف - يستطيع إقناع مبتلى بها بتركها!




http://www.alriyadh.com/1787951]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]