تشكّل الثقافة حاملاً معرفيّاً وأنواريّاً للمجتمعات المتحضّرة التي نالت قسماً كبيراً من العلوم والمعارف والفنون والقيم وغيرهاº ولذا فليس من المستغرب أن تضعها الدول في قلب اهتماماتها ومشروعاتها الآنية والمستقبلية¡ فبناء الإنسان وصوغ أفكاره ومنظومته القيميّة هي بعض محدّدات وأهداف هذه الثقافة. وقد بدا واضحاً مع مطلع القرن الأخير اهتماماً ملحوظاً بالثقافة وقيمتها كقوة ناعمة ومؤشّر حقيقي لتقدّم الدول وترقّيها في سلّم الحضارة والإنسانية والقوة المعرفية التي يتضح من قياساتها موقع كلّ دولة في سلّم القيم والحضارة الإنسانية.
المملكة لم تكن بمنأى عن أي حراك عالمي سواء في الثقافة أو السياسة أو الاقتصاد¡ وهو ما يعكس الديناميكية والمرونة والتنوع في التعاطي الرصين لها ككيان سياسي متطوّر وآخذ بأسباب التقدم والحضارة.
الجانب الثقافي كان من ضمن الاستراتيجيات المهمة التي أولتها المملكة جلّ اهتمامها باعتبار أن الثقافة مُعطى حضاري وإنساني ينحدر من إرث فلسفي إشعاعي وأنواري يتخلّق في رحم الشعوب وتستثمره بما يخدم مسيرتها الحضارية سواء من حيث التعاطي والتفاعل مع الفنون والأخلاق والقوانين والأعراف وسائر القدرات والاستعدادات.
من هنا فإن تعاون المملكة مع منظمة اليونسكو في المؤتمر الأخير الذي عُقد في باريس¡ يعكس هذه الأهمية للثقافة¡ يقيناً وإدراكاً منها بدور اليونسكو التي تعمل على تهيئة الظروف الملائمة للحوار بين الحضارات¡ والثقافات¡ والشّعوب¡ على أساس احترام القيم المشتركة¡ لتحقيق الرؤى العالمية للتنمية المُستدامة¡ والتي تشمل احترام حقوق الإنسان¡ والاحترام المتبادل¡ والتخفيف من حدة الفقر.
مشاركة المملكة بوفد رفيع المستوى ترجمة حقيقية لهذا الثراء المعرفي والحضاري لمملكتنا الفتية الضاربة الجذور في التاريخ والحضارة والثقافة¡ ومن هنا جاء تأكيد المملكة على أهمية تعزيز العلوم والثقافة والفنون للإسهام في إفشاء الحوار والتواصل بين الأمم¡ من أجل حاضر مزدهر ومستقبل أفضل للأجيال القادمة¡ فالقيادة الرشيدة -أيدها الله- تنظر للثقافة والفعل الثقافي بوصفهما أبرز الأسس التي تدعم التوجهات للتطوير البشري¡ ومد جسور التفاهم بين المجتمعات¡ من أجل النهوض بعالم أقوى¡ تترابط فيه الشعوب باختلاف ثقافاتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن محورية دور المملكة لا تقف عند التشجيع والمعاضدة والإيمان بأثر وقيمة الفعل الثقافي¡ بل إنه إيمان تم تدعيمه بسخاء لافت¡ إذ إن المملكة برهنت فاعليتها وحرصها على تحقيق أهداف العمل الجماعي المشترك في اليونسكو من موقع مسؤوليتها كدولة مُؤسسة¡ أسهمت إسهاماً كبيراً في ميزانية اليونسكو عام 1984¡ وقدمت تبرعاً سخياً بمبلغ 20 مليون دولار أميركي في عام 2011¡ كما أعلنت التزامها بتخصيص 25 مليون دولار أميركي لتمويل برامج اليونسكو الاستراتيجية وأعمالها المعنية بالحفاظ على التراث¡ من خلال التوقيع على خطاب إعلان النوايا في يوليو الماضي.




http://www.alriyadh.com/1788374]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]